الأخبار

أبو سيرين.. رجل السيرين والسير الحسن

دَلقو: إسلام بكري محمود

ولد سيد محمد مختار، المعروف بين الناس بلقب “أبو سيرين”، في قلب القاهرة، في حي عين شمس النابض بالحياة، عام 1950. لكنه لم يلبث طويلاً هناك، فمع رياح الحرب التي عصفت في 1956، عاد صغيراً، لم يتجاوز الستة أعوام، إلى تراب السودان، إلى أرض الأجداد، إلى شياخة الترعة بوحدة البركة الإدارية بمحلية دلقو، فكانت العودة بوصلة الروح، والدار وطن وإن ضاقت.*
*بدأ خطاه في دنيا الكدح بيومية لا تتجاوز 25 قرشاً، في غرب وادي حلفا، هناك حيث الشمس شاهدة على عرق الرجال. ومن اليومية إلى القيادة، تعلّم السواقة من الخواجات في عربات الأندروفر، وسرعان ما شق طريقه في السوق مع رفيق دربه أبو زيد بنة، ففتحا بنشراً، وبدآ مشواراً من الميكانيكا والحرفة.*
*”من سار على الدرب وصل”، فشدّ الرحال إلى كريمة، وكانت التذكرة أيضاً بـ25 قرشاً، وعمل هناك في السوق مع أحد السائقين عام 1960، ثم احترف مهنة “المُقِلّ”، ينقل الفواكه من قرى القُرير وتنقاسي ونوري، وهناك كانت أولى عربات الأرزاق، ومنها انطلقت رحلته في عالم الطرق والترحال.*
*ثم عاد إلى وادي حلفا، فإذا بسيارة قادمة من المملكة العربية السعودية تختلف عن بقية العربات، فعلى غير العادة، كانت تحمل سيرين لا سيراً واحداً، ومن يومها وُلد لقب “أبو سيرين”، فصار الاسم يُردد في الألسن كما تُردد الحكايات على ضوء القمر.*
*في العام 1979، اشترى قطعة أرض في “صنقعت” بولاية الخرطوم، بمبلغ 3,200 جنيه، من رفيقه المرحوم إبراهيم عبد الرزاق، وقصة الأرض بدأت بمبادلة بـ”سفنجة”! ثم باعها لرجل من حجر العسل، ودخل في شراكة مع حيدر عبد الجليل في سيارة نيثان، دفع كلٌ منهما 11 ألفاً، فكانا شركاء في درب ومسير دام سبع سنين.*
*#وفي عام 1987، ارتحل إلى المملكة، وهناك وقف معه أهله وأصدقاؤه، حتى جمع 35 ألف ريال، اشترى منها سيارة بـ25 ألفاً، والباقي حمل فيه الأثاث. وبعدها عاد، وباع القلاب واشترى باصات “أبو السيد” و”المعلم”، يجوب بها الطرق من حلفا إلى أبو حمد إلى عطبرة وحتى الخرطوم.*
*#وكان شعاره على مؤخرة الباص “عندك ما عندك.. تركب بس”، جملة حملت فلسفة عمر، وكرم فطرة، وطيبة قلب. لم يفرّق بين غني وفقير، وكان يحمل الركاب دون أن يسألهم عن ثمن التذكرة، ويردّد: “الرزق على الله، والنية تبلغ المدى”.*
*وكان يُعيد أمانات الناس لبيوتهم، قبل أن يُعيد جسده إلى فراشه، مؤمناً بأن: “ما تفعل من خيرٍ فاجعله سراً، ففي الخفاء أجرٌ مضاعف”.*
*في أيام الخريف، كان يسير إلى الخرطوم في رحلة قد تمتد أسبوعاً، ولم تكن الطرق مرصوفة، بل ترابية وعرة، وكان السفر فقط يومي الإثنين والثلاثاء، ومع ذلك لم يتوقف، بل شكر من قبله، وقال: “السابقون فتحوا الطريق، ونحن مررنا من بعدهم برحمة الله”، وكانت رخصته رقم 35 في دنقلا.*
*ساهم أبو سيرين في مشروعات كثيرة، منها مشروع “كوكا”، وكان يُصلح قطع الغيار مجاناً، ويساهم في الجمعيات التعاونية، ويقف مع مستشفى غرب المحس في جانب المقاولات، لا يطلب من ذلك جزاء ولا شكوراً.*
*واليوم، جلس أبو سيرين بعد سنوات من العطاء، يقول بهدوء:*
*”جلوسي لا يعني عطلاً، ففيه بركة لا مضرة.. والحمد لله دائماً وأبداً.*
*#وهكذا، طوى أبو سيرين صفحة العمر العامر بالسير والسيرين، لم تكن رحلته مجرّد أميال تُقطع، بل كانت خيوط محبة تُنسج، وعرَقُ كرامة يُسقى به طريق الناس.*

هشام احمد المصطفي(ابوهيام ) رئيس التحرير

من أبرز المنصات الإلكترونية المخصصة لنقل الأخبار وتقديم المحتوى الإعلامي المتنوع والشامل. تهدف هذه المنصة إلى توفير الأخبار الدقيقة والموثوقة للقراء في جميع أنحاء العالم العربي من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة والأساليب المبتكرة في عرض الأخبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى