
في مشهدٍ مهيبٍ يختلط فيه الحزن بالفخر، ودّعت الجموع اليوم أحد رجال الدولة المخلصين، محمد طاهر إيلا، الذي رحل عن دنيانا بعد مسيرةٍ حافلةٍ بالعطاء والعمل العام. شيّعته الجماهير بقلوبٍ دامعة وألسنةٍ تلهج بالدعاء، تقديراً لما قدّمه من جهدٍ وإخلاصٍ في خدمة وطنه وشعبه.
من بورتسودان إلى الجزيرة… مسيرةُ بناءٍ وعطاء
لم يكن إيلا رجلاً عادياً في مسار الخدمة العامة، بل كان نموذجاً للإدارة الحكيمة والقيادة العملية.
في ولاية البحر الأحمر، ترك بصمات واضحة جعلت من بورتسودان مدينةً تضج بالحياة والجمال، فارتبط اسمه بالنظافة والنظام والتخطيط الحضري، وبمشروعاتٍ أحدثت تحولاً في وجه المدينة الساحلية. كان يرى في الجمال شكلاً من أشكال الوطنية، وفي التنمية مسؤولية لا تُؤجَّل.
ثم انتقل إلى ولاية الجزيرة، فحمل معه روح العمل الجاد والانضباط الإداري. أعاد للولاية بريقها الزراعي والاقتصادي، فكانت برامجه تهدف إلى جعلها “سراجاً منيراً” كما وصفها كثيرون، بفضل مشروعاته التي مست حياة الناس اليومية وفتحت أمام الشباب فرصاً جديدة للعمل والإنتاج.
حين تولى رئاسة مجلس الوزراء، حمل معه تجربة الولايات ونبض الشارع. كان قريباً من الناس، بسيطاً في مظهره، صارماً في عمله، ومؤمناً بأن الإدارة لا تقوم على الشعارات بل على النتائج.
في كل موقعٍ تقلده، كان إيلا رمزاً للانضباط والنزاهة، لا يعرف التراخي ولا يساوم في أداء الواجب. أحب السودان بصدق، وعمل له بصمت، وواجه التحديات بإيمانٍ وثقةٍ في قدرات شعبه.
رحل محمد طاهر إيلا كما عاش… بهدوءٍ ووقار. لم يكن ضجيجاً في حضوره ولا في غيابه، لكنه ترك وراءه إرثاً من العمل والإنجاز يُشهد له في كل مكانٍ مرّ به.
اليوم، حين شيّعته الجموع إلى مثواه الأخير، لم تكن تشيّع جسداً فحسب، بل تودّع حقبةً من رجال الدولة الذين أحبوا الوطن قولاً وفعلاً.
سيظل اسم إيلا محفوراً في ذاكرة السودان، كرجلٍ آمن بالعمل لا بالكلام، وبالنتائج لا بالوعود.
ستبقى بورتسودان الجميلة شاهداً على بصمته العمرانية، والجزيرة المضيئة دليلاً على رؤيته التنموية، وستبقى سيرته نبراساً لكل من يؤمن بأن خدمة الوطن شرفٌ ومسؤولية.
رحم الله محمد طاهر إيلا… الرجل الذي خدم وطنه بصمتٍ وإخلاص، فاستحق أن يُذكر في سجلات الرجال الذين مرّوا فتركوا أثراً.


