
الشيخ محمد بن عمر: نغرس في طلابنا حب القرآن والسنة والاعتزاز بالهوية
نرفض التعليم الجاف ونؤمن بالتربية الشاملة المعاصرة على منهج السلف
إستراتيجيتنا تقوم على التكامل بين التحفيظ.. التزكية.. والتنشئة العقلية المتوازنة
واجهنا تحديات كبيرة.. لكن العزيمة والإخلاص تصنع الفارق
للموسسة أفرعا في كل من عطبرة وشندي والدبة
مدارس تاج الحافظين.. مشاعل هدى تنير دروب الناشئة بالقرآن
حوار: هشام أحمد المصطفى (أبو هيام)
مقدمة:
في زمن كثرت فيه التحديات، وتاهت فيه البوصلة التربوية لدى كثير من النشء، برزت مدارس “تاج الحافظين” كصرح تربوي قرآني متميز، يسعى إلى إعادة بناء الإنسان من خلال كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، هذه المدارس التي تنطلق من رؤية ربانية خالصة، تهدف إلى تخريج أجيال تحمل القرآن خلقًا وسلوكًا، لا حفظًا فقط.
في “تاج الحافظين” لا يُنظر إلى الطالب كرقم في سجل، بل كأمانة في أعناق المعلمين، يُربّى على الإيمان، ويُنشّأ على القيم، ويُنمّى في بيئة نقية تحترم عقله وروحه، وتعدّه ليكون لبنة صالحة في المجتمع، وأسهمت هذه المدارس في تخريج نخبة من الحفظة والموهوبين، الذين جمعوا بين التميز العلمي والتخلق القرآني.
ومن رحم هذه البيئة المباركة، وامتدادًا لهذه الرسالة العظيمة، جاءت مؤسسة ترتيل التعليمية القرآنية، بقيادة الشيخ محمد بن عمر عوض، لتكون الذراع التربوي والدعوي الذي يُتمم المسيرة ويعلي البناء.
بدايةً نرحب بكم شيخ محمد في هذا اللقاء، ونود منكم تقديم تعريف بمؤسسة ترتيل التعليمية القرآنية؟
أهلاً وسهلاً بكم، وجزاكم الله خيرًا على هذا اللقاء الطيب، مؤسسة “ترتيل التعليمية القرآنية” هي مؤسسة تربوية دعوية تأسست على رؤية واضحة وهي “إعداد جيل قرآني متخلق، متزن، نافع لأمته ودينه”، وهي تهدف إلى الجمع بين حفظ كتاب الله تعالى وتعلّم علومه، وتزكية النفس، مع التكوين العلمي والمهاري في إطار تربوي أصيل ومعاصر.
نحن نؤمن أن تعليم القرآن ليس فقط في الحفظ والتلاوة، بل في التزكية والاقتداء، ولهذا نبني شخصية الطالب من كل الجوانب: الروحية، الفكرية، الاجتماعية، والسلوكية.
ما الذي يميز “ترتيل” عن بقية المؤسسات القرآنية؟
الذي يميز “ترتيل” هو الدمج الذكي بين الأصالة والمعاصرة، بين المنهج الديني، والأساليب التربوية الحديثة، نحن لا نكتفي بحفظ القرآن، بل نُربّي الطلاب على الفهم والتطبيق، ونعزز فيهم القيم القرآنية من الصدق، والأمانة، والاحترام، وحب الوطن، والدعوة إلى الخير.
نُدرّب طلابنا على الخطابة والكتابة والمشاركة المجتمعية، ونُشرف على سلوكهم خارج ساعات الدراسة، عندنا معلمون مؤهلون علميًا وتربويًا، وبرامج إشراف ومتابعة دقيقة.
كيف بدأت فكرة تأسيس هذه المؤسسة المباركة؟
بدأت الفكرة من حاجة المجتمع لرؤية متكاملة لتعليم القرآن، خصوصًا بعد أن لاحظنا أن بعض الخلاوى تركز فقط على الحفظ دون التزكية، وبعض المدارس الحديثة تُغفل الجانب الشرعي تمامًا.
اجتهدنا، فأنشأنا المؤسسة على أساس علمي، وراعينا القوانين، واستفدنا من تجارب المؤسسات المشابهة داخل السودان وخارجه، انطلقت “ترتيل” ببرامج صباحية ومسائية، للفتيان والفتيات، في بيئة تربوية آمنة.
ما هي المناهج التي تعتمدونها في تدريس وتحفيظ القرآن الكريم؟
نستخدم المنهج التفاعلي، الذي يجمع بين التكرار المعهود في التحفيظ، والشرح المبسط للآيات، وتطبيق المعاني في الحياة اليومية، كما نعتمد على الرسم العثماني المعتمد، ونراعي قواعد التجويد من البداية.
نوفر مواد مساعدة في السيرة والفقه والعقيدة واللغة العربية، مع تطبيقات عملية من حياة النبي ﷺ والصحابة، كما نُدخل مفاهيم الحياة الحديثة مثل المواطنة الراشدة، والإعلام المسؤول، والعمل الجماعي.
كم عدد الفروع أو المراكز التابعة للمؤسسة حاليًا؟
لدينا حاليًا بفضل الله فرع عطبرة وشندي والدبة فروع رئيسية، ونهدف إلى تغطبة العاصمة وبعض الولايات، ولدينا طموح كبير للتوسع، وفي كل فرع هناك بيئة متكاملة، مصلى، وسيكون لدينا مستقبلا سكن داخلي لبعض الطلاب، وقاعة حاسوب، ومكتبة علمية.
ما هي الفئة العمرية التي تستهدفونها؟ وهل تقبلون الطلاب من كل الخلفيات؟
نعم، نحن نستقبل الأطفال من سن 6 سنوات وحتى الشباب في المرحلة الجامعية، مستقبلا نرحب بكل من يرغب في حفظ القرآن أو دراسة علومه، دون النظر لخلفيته الاجتماعية، نؤمن أن القرآن يطهّر النفوس، ويرتقي بالأفراد، ويجعلهم عنصر خير.
كيف تتعاملون مع التحديات في بيئة متقلبة ومليئة بالمغريات؟
هذه من أكبر التحديات، ولا نخفي أن الواقع صعب، والشباب اليوم في مواجهة تيارات التغريب والمادية والانحلال، لكننا نستخدم أساليب تربوية جاذبة، ونُشعر طلابنا بأنهم جزء من رسالة عظيمة.
نُدخل الرحلات والبرامج الشبابية والحوار المفتوح، ونُربّيهم على الفهم لا التلقين، وعلى الحب لا التهديد، كثير منهم بعد أشهر يشعر بأنه وُلد من جديد.
ما علاقة “ترتيل” بالمجتمع المحلي؟ هل هناك أنشطة خارج نطاق التعليم؟
بكل تأكيد، نحن نُعد أنفسنا مؤسسة مجتمعية، نشارك في حملات النظافة، وزيارة المرضى، ودعم المبادرات الشبابية، ونقيم مخيمات صيفية ومسابقات عامة، ونستضيف المحاضرين والدعاة لخدمة الجميع.
عندنا كذلك برامج لـ “تحفيظ الكبار”، و”تحفيظ الموظفين”.
ما هي أبرز الإنجازات التي حققتها المؤسسة منذ إنشائها؟
الحمد لله، تخرّج من “ترتيل” مئات الحفّاظ والحافظات، وتم تخريج طلاب رياض شندي وعطبرة ، وحصل طلابنا على مراكز متقدمة في المسابقات وبعضهم نال إجازات قرآنية بالسند المتصل ؟
ماذا تقول للمسؤولين والدولة بشأن دعم المؤسسات القرآنية؟
أقول لهم: إن دعم المؤسسات القرآنية ليس رفاهية، بل هو استثمار في أمن المجتمع وأخلاقه واستقراره، حينما يُحفظ القرآن في القلوب، تُحفظ البلاد من الفساد والدمار.
نرجو من وزارة التربية، والشؤون الدينية، والمجالس المحلية أن تفتح أذرعها للتعاون، وتُسهّل الإجراءات، وتدعم بالتمويل والتدريب والمناهج.
كلمة أخيرة توجهونها في ختام هذا الحوار؟
رسالتي لكل أسرة: علموا أبناءكم القرآن، فهو النور في زمن الظلمة، ورسالتي لكل داعية: لا تيأس، الزرع الصالح لا يُخيب، ورسالتي للمحسنين: لا تبخلوا، فإن في دعم القرآن أعظم صدقة جارية.
وأخيرًا، الشكر لكم أنتم على هذه المقابلة الطيبة، ونسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن وخاصّته.
من المحرر:
مؤسسة ترتيل التعليمية القرآنية، بقيادة الشيخ محمد بن عمر عوض، تمثل نموذجًا حيًا للعمل الإسلامي المتوازن الذي يجمع بين الأصالة والتجديد، في زمن التحديات والانفتاح غير المنضبط، يظل القرآن الكريم هو الحصن الأخير لتربية النفوس وبناء الأوطان.