
في البرقيق أثبتت التجربة الاتحادية جدواها وتمكنا من إعادة توزيع الموارد بما يضمن تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا لدى السكان
الطريق نحو تطبيق فعّال للامركزية ما زال محفوفًا بالصعوبات
التفاوت التنموي هو واقع ناتج عن اختلاف الإمكانيات والموارد الطبيعية والبشرية في كل منطقة
ندعو الجميع إلى دعم التجربة الاتحادية والإيمان بقدرتها على تحقيق التنمية الشاملة
حاوره: هشام أحمد المصطفى (أبو هيام)- إبراهيم مدثر (هيما)
تصوير: أحمد الطيب بشير
في ظل التحولات السياسية والإدارية التي يشهدها السودان، يُعتبر نظام الحكم الاتحادي خطوة إستراتيجية تهدف إلى توزيع السلطات والصلاحيات بين الجهات المركزية والمحليات والولايات.
يسعى هذا النظام إلى تعزيز المشاركة المجتمعية وتمكين الأجهزة المحلية من إدارة مواردها، وهو ما يعكس رؤية إصلاحية تُعزز التنمية المتوازنة في مختلف مناطق البلاد. في هذا السياق، أجرت صحيفة المسار نيوز حوارًا مع المسؤول التنفيذي لمحلية البرقيق، الأستاذ عباس عبد العزيز عثمان، ليتناول جوانب تطبيق الحكم الاتحادي وآثاره على التنمية المحلية، إلى جانب التحديات التي تواجهه وآفاق تحسين الأداء الإداري في السودان.
بدايةً، كيف تقيمون تأثير نظام الحكم الاتحادي على إدارة شؤون الدولة؟
يُعد الحكم الاتحادي انجازًا أساسيًا، إذ يُحدث تحولًا نوعيًا في آليات اتخاذ القرار، هذا النظام وفر للمحليات سلطة أكبر في التخطيط والتنفيذ، مما يسمح بتوجيه السياسات بما يتناسب مع الخصوصيات المحلية، وساهم في تقريب الخدمات للمواطن، سواء في مجالات الصحة أو التعليم أو البنية التحتية، وأتاح مجالًا أوسع للتنسيق بين الجهات المختلفة على المستويين المحلي والوطني.
كيف انعكس هذا النموذج الإداري على محلية البرقيق؟
في البرقيق، أثبتت التجربة الاتحادية جدواها؛ فقد تمكنا من إعادة توزيع الموارد بما يضمن تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا لدى السكان، على سبيل المثال، تمت إعادة هيكلة بعض البرامج التنموية بما يتوافق مع أولويات المواطنين، مما أدى إلى تحسين الخدمات الأساسية وتفعيل دور المجالس المحلية في رسم السياسات التنموية، كما ساهمت اللامركزية في تسريع اتخاذ القرارات، وتقليل الإجراءات البيروقراطية التي كانت تعيق التنفيذ في السابق.
ما هي أهم المكاسب التي حققها النظام الاتحادي في سياق التنمية المحلية؟
أبرز المكاسب تتمثل في تعزيز الشفافية والمساءلة، إذ أصبح هناك رقابة أقرب على كيفية إنفاق الموارد وتوزيعها. كما أدى ذلك إلى زيادة وعي المواطنين بحقوقهم وواجباتهم، مما ساهم في تكثيف مشاركتهم في الاجتماعات المجتمعية وتقديم المقترحات المباشرة، إلى جانب ذلك، ساعدنا على إطلاق مبادرات جديدة في مجالات مثل تحسين البنية التحتية وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية، وهو ما انعكس ايجابيًا على مستوى المعيشة.
رغم هذه الايجابيات، هناك تحديات تواجه تطبيق الحكم الاتحادي. فما هي أبرزها برأيك؟
لا شك أن الطريق نحو تطبيق فعّال للامركزية ما زال محفوفًا بالصعوبات. من أهم التحديات ضعف الموارد المالية لدى بعض المحليات، مما يعيق تنفيذ المشروعات التنموية بشكل مستقل. كما أن هناك تداخلًا في الصلاحيات بين الجهات المختلفة، وهو ما يتطلب إعادة النظر في الأطر القانونية والتنظيمية لتفكيك هذه التعقيدات. كذلك، لا بد من رفع مستوى الكفاءات الإدارية والفنية عبر برامج تدريبية مستمرة لضمان استغلال الامكانيات بأفضل صورة.
كيف يمكن تذليل هذه العقبات لتحقيق أقصى استفادة من النظام الاتحادي؟
أولاً، يجب إعادة توزيع الموارد بشكل عادل بين الجهات الحكومية المختلفة مع توفير دعم مالي مباشر للمحليات ذات الاحتياجات الخاصة. ثانيًا، يتعين وضع أطر تنظيمية واضحة تضمن فصل الصلاحيات، بحيث يكون لكل جهة مجال عمل محدد دون تدخل متكرر من المستوى المركزي. كما نحتاج إلى استثمار أكبر في تنمية الكفاءات البشرية؛ فالاستثمار في التدريب والتأهيل هو المفتاح الرئيس لنجاح أي إصلاح إداري. وأخيرًا، يجب تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتعزيز قدرات المحليات على تنفيذ المشروعات التنموية.
يرى البعض أن الحكم الاتحادي أدى إلى تفاوت في التنمية بين المناطق، كيف تفسرون ذلك؟
التفاوت التنموي هو واقع ناتج عن اختلاف الإمكانيات والموارد الطبيعية والبشرية في كل منطقة، بعض المحليات تتمتع بمصادر دخل قوية وفرص استثمارية أفضل، بينما تعاني أخرى من ضعف البنية التحتية وشح الإمكانيات المالية. لذا، يجب على الحكومة المركزية تصميم سياسات دعم استثنائية تركز على المناطق الأقل حظًا، مثل إنشاء صناديق دعم خاصة وبرامج تحفيزية لجذب الاستثمارات، لضمان تحقيق توازن تنموي يخدم جميع المواطنين على قدم المساواة.
وما هو دور المواطن في انجاح تجربة الحكم الاتحادي؟
يعتبر المواطن عنصرًا أساسيًا في نجاح أي نظام حكومي. المشاركة الفاعلة في المجالس المحلية واللقاءات العامة تعد آلية مباشرة لضمان استجابة السياسات للاحتياجات الفعلية، كلما زادت الوعي والتمكين لدى الأفراد، زادت قدرة الإدارة المحلية على التحسين والتطوير. علاوة على ذلك، فإن الشفافية في الأداء تشجع على مراقبة الإنفاق وتنفيذ المشروعات، مما يحفز الجميع على تحمل المسؤولية والعمل معًا من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
برأيك، ما هي الآفاق المستقبلية لنظام الحكم الاتحادي في السودان؟
إن النظام الاتحادي يحمل آفاقًا واعدة إذا ما تم تذليل العقبات الحالية. نتطلع إلى مستقبل يكون فيه كل مستوى حكومي متكاملًا وفعّالاً، بحيث تساهم المحليات بشكل أكبر في رسم السياسات التنموية. من الضروري أن يكون هناك تواصل دائم بين الجهات المركزية والمحلية لتبادل الخبرات وتنسيق الجهود. نأمل أيضًا في تعزيز برامج التنمية البشرية والتقنية لرفع مستوى الكفاءة وتحقيق استثمار أمثل للموارد، مما سينعكس إيجابيًا على حياة المواطنين في كافة المناطق.
كلمة أخيرة توجهونها للمواطنين والمهتمين بعملية التنمية؟
ندعو الجميع إلى دعم التجربة الاتحادية والإيمان بقدرتها على تحقيق التنمية الشاملة. النجاح في هذا المسار يعتمد على التضافر بين الحكومة والمواطنين، وعلى اتباع نهج شفاف يقوم على المساءلة والعمل الجاد، إن التحديات التي نواجهها ليست نهاية المطاف، بل فرصة للتعلم والتطوير، حتى نصل إلى وطن يعيش فيه الجميع في أمان ورفاهية، وأن المستقبل يعتمد على الجهود المشتركة والثقة المتبادلة في قدرة كل فرد على احداث فرق حقيقي في مجتمعه.
خاتمة
يظل الحكم الاتحادي مشروعًا وطنيًا يسعى لتحقيق اللامركزية وتفعيل دور المجالس المحلية، وهو نموذج يحتاج إلى مواصلة الإصلاح وتذليل العقبات التي تعترض طريقه، من خلال الحوار الذي أجريناه، يتبين أن التجربة في محلية البرقيق أظهرت امكانيات كبيرة لتطوير الخدمات وتحقيق التنمية، رغم التحديات التي تواجهها، وإن التعاون بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني يشكل الأساس لتحقيق مستقبل أكثر توازنًا واستدامة.
يأمل المسؤول في أن يستمر هذا النهج الإصلاحي، ويظل الوطن محور العمل الجماعي، حيث يستفيد المواطن من الحقوق التي يضمنها النظام الاتحادي، وتتحقق العدالة في توزيع الفرص والموارد. يبقى السؤال مفتوحًا: كيف نرتقي بنظام الحكم ليلبي تطلعات كل مواطن ويحول التحديات إلى فرص؟ الإجابة تكمن في وحدة الصف الوطني والعمل المشترك لتحقيق التنمية المتوازنة والشاملة.
بهذا الحوار، نُسلّط الضوء على الأبعاد المتعددة لتجربة الحكم الاتحادي في السودان وآفاقه المستقبلية، مؤكدين على أن النجاح يعتمد على تكاتف الجميع – من أجهزة الدولة إلى المواطن – لتحقيق رؤية مشتركة تضمن الاستقرار والتنمية المستدامة.