
من حق كل السودانيين أن يفرحوا بتحرير وأستعادة القصر الجمهوري. فالقصر ملك الشعب، وستظل مكانته التاريخية والمعنوية قائمة إلى أن يعتليه من يستحقه. صحيح أن تحرير القصر من بقايا هذه المليشيا لم يكن خبراً مفاجئاً بقدر ما نتيجة حتمية للانهيارات المتوالية لقوات حميدتي وتصريحه بأن فقدان جبل موية سيضطره للخطة البديلة. هذه الخطة، وكما سبق أن توقعتها، ليست إلا نسخة معدلة لما سار عليه من إحراق للمواطن. فقوات حميدتي، وإن نجحت في النهب وتحقيق مصالح مادية شخصية إلا أنها فشلت في أن تحقق أهداف عسكرية وسياسية حقيقية لذاتها أو غيرها. يصدّق التحليل عجز المليشيا وإصرارها على استهداف المدنيين في أنفسهم وأموالهم ومقدراتهم. فمن له رغبة في أن يقيم دولة على أرضها وشعبها يستحيل أن تكون غايته الإفساد وإهلاك الحرث والنسل.
توالي الفشل انتهى بمعظم المحللين السياسيين والعسكريين بعدم استفادة المليشيا من أي درس. ففي الوقت الذي سيطرت فيه على أكثر من 70% من السودان لم تنجح في تقديم ولو رسالة تطمينية أو رؤية سياسية، فهل بعد أن كبدت المواطن كل هذه الخسائر ستتغير النظرة فيها. محللون آخرون يرون أن خيار وضع السلاح والدخول في تفاوض غير مشروط لن يختاره آل دقلو، وذلك لما يلي: *السبب الأول*: إنكشاف أن غرضهم من التمرد كان السيطرة على السلطة عبر انقلاب خاطف. بعد الفشل، وبدلاً عن التراجع لم يجد حميدتي من خيار غير الدخول في حرب كان مستعداً لها. لخسائره المطلقة، فالمسار الأوحد لحميدتي هو الانتحار الشخصي بتحريض قواته على استمرار قصف المدنيين. المؤسف أن تواتر القصف سيبرره آل دقلو بذريعة المطالبة بانفصال حتى المستهدفين به باتوا على قناعة بأن دعاته غير مؤهلين له. *السبب الثاني*: قلة حيلة آل دقلو وقبولهم الارتزاق لم يلحق الضرر بهم وحدهم وإنما طالت الخسائر كل داعميهم من قوى محلية وإقليمية ودولية، فبعد كل هذه الكلفة العسكرية والأخلاقية، من سينبري للدفاع عن حميدتي سيكون هو المحرض والشريك الذي ألحق الضرر الفاحش بشعب لم يقدم للبشرية إلا كل الخير. *السبب الثالث*: كشفت هذه الحرب أن معظم ساستنا بمن فيهم المجتمعين الإقليمي والدولي ليست لديهم دراية حقيقية بالشخصية السودانية وأنها لا ترهن ذمتها بمال. صحيح، وبسبب هذه الحرب تباينت المواقف بين قلة لم تخف تأييدها الصريح للمليشيا سيما بعدما انتصرت، وبدأ كأن البلاد قد دانت لها. آخرون فقدوا بوصلة التفرقة بين الانحياز لمؤسسات الدولة، مهما كانت هشاشتها، والموقف من القيادة السياسية والعسكرية. ثوالث ادعوا الحياد وهم في حقيقة الأمر استغلوا المليشيا كرافعة لتحقيق مكاسب سياسية ومطية تفاوضية. كل هولاء لم يحالفهم التوفيق الأمر الذي جعل المليشيا صدّقت أكذوبة أنها فصيل سياسي وحامي الديمقراطية. ساعد المليشيا في المضي في الحرب ما تم من مواربة في أديس أبابا وما انكشف من قناع المنشئين لمنبر نيروبي وقريبا من سيعلنوا الانتقال الاسفيري لمدينة نيالا. *السبب الرابع*: لن تتخلى المليشيا عن مغازلة المجتمعين الإقليمي والدولي استغلالاً لتضارب المصالح. الانهيارات الداخلية تظل البيئة الأمثل لتجار الحروب والمؤمرات. أي تفكير لاستثمار أو تحريض آلة المليشيا العسكرية لتمرير الأجندة الخارجية سيكون حتماً خياراً سالباً للوطن. مهما يكن من أمر، من يرغب في الوصول للقصر الجمهوري فعليه أن يدرك أن السودان ليس للبيع.
الخرطوم 22 مارس 2025