
بعد استمرارها لقرابة العامين، فهذه الحرب، وحتى إذا قُدر لها أن تنتهي اليوم، فالبنية التحتية والتي كانت قائمة قبل اندلاع الحرب، على سوءها، لم تعد موجودة. فالحرب وما صاحبها من دمار أعادتنا لما لا يقل عن المائة عام. التحدي الأعظم والذي يواجه السودانيين بصفة عامة والسياسيين والنقابيين على وجه الخصوص هو التوافق على السلام المجتمعي وإعادة الإعمار. بالطبع، المقصود بالإعمار ليس مجرد المباني وإنما المعاني المتمثلة في النفوس التي أشعلت الحرب.
بمقالاتي السابقة كنت قد انتهيت إلى أن أحزابنا ونقاباتنا لم تنشأ بصورة مكّنتها من معالجة الاختلالات الجوهرية التي صاحبت تأسيس الدولة السودانية. لكون فاقد الشيئ لا يعطيه، فقد جاء الوقت لأن تتزامن مع عملية التأسيس بناء أهم مقومات الدولة الحديثة وعلى رأسها الأحزاب السياسية والنقابات. كمثال لواقع النقابات تناولت بمقالي الأخير نقابة المحامين السودانيين والأجهزة العدلية التي حتماً ستدخل في هذا الصراع. بحكم أن نقابة المحامين ليست مجرد نقابة تخدم عضويتها وإنما درع كل السودانيين، فهذه النقابة يمكن أن تكون شفرة حل جذور الأزمة التي أدت للحرب.
يرأس لجنة تسيير نقابة المحامين الأستاذ علي قيلوب بينما ترأسها الأستاذ عثمان الشريف إبان نظام المؤتمر الوطني. الأساتذان المذكوران درسا وتخرجا معاً في كلية القانون جامعة الخرطوم. مهما كان عمق الخلاف معهما أو بينهما فإن لكلٍ منهما كسبه وجهده المشهود في المهنة. خير شاهد على ذلك السوابق المنشورة بأسمهما في مجلة الأحكام القضائية. لتستطيع نقابة المحامين أن تخدم قواعدها وتحمي الحقوق الأساسية والحريات العامة، فبيد الأستاذين الجليلين ليس فقط حقن دماء المحامين وإنما كافة الجهات العدلية التي سيصيبها الشرر. نزولاً للمصلحة المهنية والوطنية على الأستاذين أن يجلسا معا مستنيرين برأي من يرونه مناسبين من محاميات ومحامين. في ضوء توافقهما عليهما تسمية مجلس للنقابة من الكفاءات القانونية المعروفة بمهنيتها والتي ليس لها انتماءات حزبية. المجموعة المتوافق عليها يجب أن تضع في سلم أولوياتها التدابير المطلوبة لعقد انتخابات حرة ونزيهة. هذه الخطوة لن تكون مفتاح الحل لنقابة المحامين وحدها بل ستبعث بالأمل والسنة التي ستتبعها عليها كافة النقابات والاتحادات المهنية، ونواصل.
الخرطوم- 23 مارس 2025