
رحم الله الكابتن علي قاقارين، اللاعب الفذ الذي أجاد فن اختيار موقعه داخل الملعب، فكان قناصا بارعا للأهداف الصعبة والجميلة.
لم يكن مجرد نجم في المستطيل الأخضر، بل كان رجلا ذو رؤية مستقبلية ثاقبة، حرص على تأمين مستقبله بعقلية استثنائية، فاختار أن يمضي في درب العلم بجانب الرياضة.
في وقت كانت فيه اللغة الفرنسية غريبة على المجتمع السوداني وغير محبذة للكثيرين، اتخذ قاقارين قرارا جريئا بالتخصص فيها، مستشرفا آفاقا أرحب ومجالات أوسع. بدأ مسيرته المهنية معلما في المدارس الثانوية، ثم واصل صعوده الأكاديمي حتى أصبح أستاذا في الجامعات بعد حصوله على الشهادات العليا. لم تتوقف طموحاته عند حدود التعليم، بل فتحت له إجادته للفرنسية أبواب المجال الدبلوماسي، حيث برز بكفاءته، شخصيته المتزنة، وقدرته على بناء العلاقات، ليصبح رمزا نادرا يجمع بين الرياضة والعلم والدبلوماسية.
رحم الله قاقارين، رجل الثواني، القناص الماهر الذي ترك بصمته الكروية في الهلال و المنتخب الوطني أو “الفريق القومي” كما كان يعرف في ذلك الوقت. ولم تتوقف رحلة قاقارين الثرة في الملاعب المحلية، حيث واصل رحلته الأسطورية لاعبا محترفا في نادي النصر السعودي ونادي استاد أبيدجان بساحل العاج، ولم يكتفِ بالعطاء في الملاعب، بل واصل خدمته للرياضة السودانية عبر مشاركته الفاعلة في مجالس الإدارة واللجان الرياضية المختلفة، حتى أصبح خبيرا مرجعيا على المستوى السوداني والعربي والأفريقي.
برحيله الفاجع الذي أبكى الصغير والكبير، خسر السودان شخصية فريدة كان لها حضورها في نادي الهلال، النادي الدبلوماسي، جامعة الخرطوم، والمركز الفرنسي، إلا أن الفقد الأكبر سيكون لأسرته، لعشيرته، لمحبيه، ولجيرانه في حي المهندسين بأم درمان.
وفي ظل هذه الخسارة الفادحة، وقبل أن تجف الأقلام، نقترح تشكيل لجنة لتوثيق سيرة هذا الرجل الاستثنائي، تضم كل الجهات التي عمل بها، ليكون التوثيق متكاملاً، موثقًا مسيرته الحافلة التي تمثل فصلا مهما من تاريخ السودان، بل وحتى الدول التي عمل بها سفيرا.
إنها دعوة موجهة إلى وزير الخارجية، السفير الرياضي ولاعب كرة السلة السابق، علي يوسف، وصديق الفقيد، للمبادرة في تخليد ذكرى أحد أعظم الشخصيات التي كرست حياتها لخدمة السودان.
رحم الله قاقارين فقد كان رجلا عالي الأخلاق، جميل المظهر والمخبر، طوال سنوات معرفتي به لم أسمع منه إلا كل خير وحديث طيب. الحديث عن قاقارين يحتاج إلى مجلدات وساعات طوال لنوفيه بعض حقه. نسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويجعل قبره روضة من رياض الجنة.