الرأي والتحليل

محمد طلب يكتب: عافي منك و راضي عنك (5)

توقفنا في المقال السابق عند ما يردده الآباء مثل
(نحن البنعمل فيهو دا كلو عشان منو)؟؟؟؟
وهل هو فعلاً (من أجل أبنائي) كما يوحون، بداية دعونا نأمن على أن الحياة كلها تقوم على التضاد وتكتسب جمالاً من الاختلاف وترتكز على تبادل المنافع بين من عليها و (أن كل من عليها فان).
فيكون الرد المباشر على السؤال و الذي ربما يجد الاستنكار من الآباء والأمهات و ربما يجد القبول من بعض الأبناء والرد هو :-
(البتعمل فيهو دا كلو وتعبك وشقاك دا ما عشاني أنا)
إجابة صادمة لكنها تحمل حقيقة ربما تكون خفية وهي أن العمل والتعب وتحمل الصعاب (من أجل الأبناء) في حقيقته و(جوة الجوة) هو إشباع لرغبات ذاتية فالأب والأم يشبعون رغبات (الأمومة والأبوة) لديهما وتلقائياً تعود بمنفعة للطفل الذي يتمتع (بالبنوة)، و أن قلنا (التبني) فهذا يقودنا إلى عمق آخر ربما نتطرق له لاحقاً.
في بعض الأحيان قد تذهب (الدوافع الذاتية) إلى مناطق خطيرة في التربية حيث يهدف (الأبوين) إلى تحقيق طموحات ذاتية عبر أولادهم وهذا تكون خطورته كبيرة خصوصاً في حال تناقض طموحات الأبوين نفسهما وهذا أمر ربما نعود له لاحقاً وربما يحتاج لمتخصصين فهذه المقالات فقط تضع محاور تبحث عن إجابات كما أنها مجرد خطوط عريضة لإثارة الأفكار و الرؤى حول الأمر.
وحتى لا نذهب بعيداً عن الأغنية التي قادتنا لهذه المقالات دعونا نتأمل ما أوردته هذه (الأم) بالقصيدة
عافية منك وراضية عنك سو رضايا
و ما بيخيب الرضا والدتو يا جنايا
أنت من يا دوب صغير من زمان دايماً معايا
أنت ديمه أمامي ساير ما بخليك بي قفايا
ما بتغيب من عيني لحظة ولا حصل سبتك ورايا
لا من الله يشيل أمانتوا أنا ببقي خاصاك بالرعاية
ليّ يرعاك البيرعي ليّ بيك يبرد حشايا
نلاحظ في المقتطف أعلاه أنها تعيد له شريط مجاهداتها (من أجله) والكم الهائل من المعاناة الذي قابتلها في تربيته والحفاظ عليه (والحافض الله) كما يقول أهل المنطقة (منطقة الأغنية) و رغم الأبيات المتتالية عما فعلته (من أجله) تجد أن بالقصيدة لمحة إلى أنها كانت تبذل جهداً يحتاج (المقابل) كما سنرى في جملة صغيرة خاطفة هي:-
(بيك يبرد حشاي)
والجملة الصغيرة هي ذات ما أشرنا له في (اشباع الأمومة) أو بمعنى آخر أن كل ما ذكرته بالتفصيل والحكي ما هو إلا (إشباع لرغبة ذاتية)…
وهذا يقودنا إلى فكرة ان :-
(قمة العطاء قد يكون أخذاً و تلقي)
وأن البذل والعطاء و التضحية من أجل الآخرين قد يمثل جوانبا من (الأخذ) أو التلقي و أن كان بصورة غير مباشرة فعندما يقوم الشخص بالعطاء بصدق و دون إنتظار مقابل فهذا يجلب الشعور بالرضاء والاكتفاء مما يمكن القول عليه (أخذ) او تلقي لمنافع أقلها الحاجة النفسية.
والعطاء أيضاً يعزز العلاقات ويقوي الرابط بين الطرفين وهذا أيضاً نوع من (الأخذ) و التلقي.
والعطاء له (تأثير إيجابي) على المُعطي والمُتلقي وهو أيضاً نوع من (الأخذ) يحسن الحالة النفسية والاجتماعية وربما الاقتصادية للمُعطي.
يعني بإختصار أن كل ذلك العطاء قد أشبع حاجة (المعطي) نفسه مع فوائد (المتلقي)، ونجد في الأغنية ما يعبر مصدر أصل العطاء وهو العطاء الإلهي
أصلك أنت هدية منو والله بيك أجزل عطايا
والعطاء هنا وهو عطاء بلا مقابل من الإله للعبد الصالح وغير الصالح و ليس كما في العلاقات بين البشر وعطاءهم ثم تذهب الأغنية وعلى لسان (الأم) لتوضح الظروف التي أتت فيها الهدية الإلهية
جيتني واحد مالو تاني في آخر صبايا
قبل ما أفقد قدرتي وقبل ما تنهار قوايا
وهذا من المحمود في الأغنية ولو لا هذه الأبيات لفقدت الأغنية الكثير من ألقها ومحبة الناس لها…
وفي ختام هذا المقال نعدكم بالعودة إلى مقطع
(ما بخيب الرضي والدتو يا جنايا )
مع ملاحظة أن نص الأغنية استخدم مفردتي (الوالدة والأم) في مواقع مختلفة
وخير ختام لهذا المقال قوله تعالي:-
( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) (الإسراء-23) صدق الله العظيم.

هشام احمد المصطفي(ابوهيام ) رئيس التحرير

من أبرز المنصات الإلكترونية المخصصة لنقل الأخبار وتقديم المحتوى الإعلامي المتنوع والشامل. تهدف هذه المنصة إلى توفير الأخبار الدقيقة والموثوقة للقراء في جميع أنحاء العالم العربي من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة والأساليب المبتكرة في عرض الأخبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى