أذكروا الآن دماء الشهداء، تلك الدماء الطاهرة التي روت أرض السودان عبر تاريخه الوطني الزاخر، فكانت وقودًا للحرية وأساسًا للكرامة، شهداء الوطن أولئك الذين مضوا في معركة الدفاع عن الأرض والعرض، لم يحملوا في قلوبهم سوى حب السودان، ولم يسعوا وراء دنيا فانية أو سلطة زائلة كما فعل أولئك الذين باعوا الوطن للعدو وامتهنوا الخيانة، كانوا رجالًا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فوهبوا أرواحهم في سبيل أن يحيا هذا الوطن مرفوع الرأس، عصيًا على الطغاة والمحتلين
هذه الدماء الزكية التي سالت لم تكن مجرد دماء، بل كانت سطورًا كتبت التاريخ بحروف من نور، رسمت لوحة بطولية لا يستطيع أعظم الرسامين إبداعها، ولا أبلغ الشعراء وصفها ،كل قطرة منها كانت شاهدًا على بسالة الرجال الذين وقفوا في وجه الطغيان، غير آبهين بالخطر، واضعين أرواحهم على أكفهم فداءً للوطن، لولا تلك التضحيات، لما عرفت القرى والمدن المكلومة معنى الأمن، ولظل الطغاة يعيثون في الأرض فسادًا، ينهبون ويقتلون ويدمرون بلا رادع
اليوم، ونحن نستقبل العيد، لا بد أن نقف وقفة إجلال وإكبار لمن جعلوا هذا الوطن عصيًا على الاستباحة، لمن لقنوا الأعداء والخونة درسًا في الصمود لا يُنسى، إنهم ليسوا مجرد أسماء على قائمة الشهداء، بل هم رموز أمة، تركوا لنا إرثًا من العزة لا يضاهى، ونقشوا أسماءهم في ذاكرة التاريخ بحروف من ذهب لن نوفيهم حقهم مهما مجّدناهم، ومهما كتبنا عنهم، ومهما حاولنا رد الجميل لأسرهم، لكن عزاءنا أن الله سبحانه وتعالى قد أكرمهم بالحياة الأبدية في جناته، فهم أحياء عنده يرزقون، وذكراهم ستظل خالدة في قلوب السودانيين الشرفاء.
إن رسالتهم إلى الأجيال القادمة واضحة لا لبس فيها: هذه البلاد لا تخون، وهذه الأرض لا تساوم، وهذا الشعب لا يُباع، ستظل دماء الشهداء مشعلاً ينير درب النضال، ومصدر إلهام لكل من يحمل في قلبه ذرة من الوطنية، في هذا العيد، وفي كل يوم، لنتذكرهم بالدعاء، ولنحمل رسالتهم في قلوبنا، ولنجعلها نبراسًا نهتدي به. فهم أعمدة هذا البنيان الذي لا ينهار، وأساسه المتين الذي لا يتزعزع، وروحه النابضة التي لا تموت. المجد والخلود لشهداء السودان الأبرار، والخزي والعار للخونة والعملاء، والنصر للوطن الذي سيظل عصيًا على كل معتدٍ، شامخًا بدماء أبنائه الذين صنعوا المجد بدمائهم الطاهرة.
