
أيام قليلة، ستعود الروح إلى أرض الجزيرة، وستنهض قراها من تحت ركام الألم، كما ينهض النيل كل موسم ليمنح الحياة من جديد ، سيعود أهلها إلى ما كانوا عليه ، رغم القهر والتشريد والجراح، ستعود الطرقات لتشهد تلك اللحظات الخالدة، عندما تتوقف المركبات ويترجل المسافرون، ليس قسراً، بل بدعوة تُطلقها القلوب قبل الألسن: “تفضل، الإفطار جاهز”، وتُمد الأيدي بالكرم ،ليعلم كل من ظن أن الحروب تُطفئ النور في هذا الشعب،أن السودان قد يترنح لكنه لا يسقط، قد يتألم لكنه لا يبخل، قد يُظلم لكنه لا يعرف الظلام سيظل العابرون يشهدون تلك اللحظات المهيبة، حيث بياض العمائم يكسو القلوب التي لم تفسدها الأزمات،وليعلم العالم، ومن يظنون أن الخراب قد أبدل معدننا، أن السودان لا يزال هو هو، وأن أهله لم ينسوا من هم ولم يفرّطوا في ما جبلوا عليه، سيعود المشهد الذي يعجز الزمن عن محوه، حين تبتل عروق الصائمين من أيدي أناس لم تُهزم أرواحهم، ولم ينحنوا إلا ليُقدموا لقمة لمحتاج أو بسمة لمن عبر الطريق، انتظروا، ما زال في هذه الأرض نبض، وما زال في أهلها كرمٌ بحجم السماء.