
* بدأت البحث عن تقارير بعض الزملاء الذين قابلوا قائد الدرع ببورتسودان، لعلي أجد فيها بعض الحقائق التي تزعزع قناعاتي بأن حرب الكرامة هذه قد وقعت وما يزال أوارها يشتعل بسبب أننا نصنع (الفرعون) بأنفسنا، بقصد وبدون قصد..!
* بدأت قراءة التقارير من أسفل إلى أعلى كمن يبحث عن شيء ثمين وتمنعه اللهفة عن البحث المنتظم، تنقلت بين السطور ولم أجد غير محاولات التجميل اليائسة، ومحاولات البعض تجريد شخصية جديدة تقدم بمظهر مختلف بعد إسقاط كل الحقائق التأريخية الراسخة.
* لا أحد ينكر الدور الإيجابي لكيكل على أرض المعركة في الوقت الراهن، ولكن من الصعب، بل والمستحيل أن تقرأ هذه الحقيقة بمعزل عن الماضي جملة، وإن كان البعض مجبرين على ذلك نفاقاً أو للضرورة التي تمليها اللحظات فهنالك ثوابت غير قابلة للتحوير والتبديل في المستقبل.. فهذه الحرب ستتوقف في يوم من الأيام ويعود الناس إلى صوابهم ونتخلص بعدها عن ميزان (الطواريء) الذي نوزن به الأحداث..!
* كل ديكتاتوريات العالم كان لها أنصار حتى لحظة سقوطها، يهتفون ويجملون ويرفعون كيفما شاءوا ولكن عندما يحدث ذلك السقوط تتبدل الموازين وتظهر الحقائق بلا تغبيش..!!
* بالنسبة لي كإعلامي لم يبق من تلك الحقائق ما يتطلب عناء البحث والمغامرة، فقد رأيت الموت يطرق كل الأبواب وأسوأ المآسي في الجزيرة بتفاصيلها المؤلمة، من لحظة السقوط المأساوي لحاضرتها مدني وحتى لحظة عودة الجيش لتصحيح الأوضاع ووصول متحرك سنار، وبعض الأحداث لن تفلح كل مساحيق الدنيا في تجميلها، وإن اقتنعت أنا فهنالك أسر كاملة وعائلات أوصد الموت أبوابها إلى الأبد ولن يستطيع أحد إخبارهم بأن ما حدث كان نتيجة سوء تقدير أو تقصير من فلان وعفا الله عما سلف.. لذلك كان هذا اللقاء وما سيترتب عليه من شاكلته في المستقبل بمثابة قبلات على جبين شهداء شرق الجزيرة.. من قضى منهم عطشاً وجوعاً في فلاة البطانة، ومن مات بالمرض دون أن يجد الدواء وحتى من مات رعباً وحسرة..!!



