
العمل قيمة إنسانية عظيمة، وهو شرف للإنسان أينما كان وكيفما كان، فكل مهنة مهما بدت بسيطة أو متواضعة، لها مكانتها وأثرها في حياة الأفراد والمجتمعات. فالحياة لا تستقيم بمهنة واحدة، بل تقوم على تكامل الأدوار وتعاون الأيدي والعقول. الطبيب لا يستغني عن المزارع، والمعلم لا غنى له عن البنّاء، والمهندس بحاجة إلى الحرفي، وهكذا تدور عجلة الحياة بجهود الجميع.
وإن كنا مسلمين، فعلينا أن نستلهم من سيرة أنبياء الله ورسله الكرام الذين جسّدوا قيمة العمل بمهنهم الشريفة. فقد كان سيدنا محمد ﷺ راعياً للغنم في صغره، ليعلّمنا أن الشرف في السعي والكدح، لا في نوع المهنة. وكان نبي الله نوح عليه السلام نجاراً يصنع السفينة بإلهام من ربه، فصار عمله سبباً في نجاة البشرية من الغرق. وهكذا تتجلّى مكانة المهنة في ميزان القيم، إذ ليست العبرة بما تعمل، بل بكيف تؤدي عملك وبما تضيفه للناس.
العمل الحلال هو مصدر الرزق الطيب، والسعي في طلبه عبادة إذا اقترن بالإخلاص والأمانة. قال تعالى: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” [التوبة:105]. وما يعيب الإنسان ليست مهنته، بل أن يأخذ حق غيره بغير وجه حق، أو أن يظلم ويغش ويستغل، فذلك هو الخسران المبين.
لذلك، فإن الواجب أن نُعلي من قيمة كل عامل، وأن نقدّر جهده مهما كان موقعه. فالتحية والتقدير لكل من يسعى بعرق جبينه لإعمار الأرض، ولكل من يكدّ ليكفل أهله أو يسهم في خدمة وطنه ومجتمعه.
إن احترام المهن وتقدير أهلها ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو سبيل لبناء مجتمع متماسك، يعرف كل فرد فيه أن جهده محل تقدير، وأن عطاؤه لبنة في صرح النهضة والتنمية.



