
إن التكنولوجيا وعصر العولمة والحداثة والتطور قد فرضا واقعًا يعيشه العالما اليوم عبر ثورة تكنولوجية غير مسبوقة يقودها الذكاء الاصطناعي (AI)، وهو ما فرض واقعًا جديدًا على مختلف القطاعات، وعلى رأسها الإعلام. في السودان، حيث يمر القطاع الإعلامي بتحولات كبيرة نتيجة التحديات السياسية والاقتصادية والتقنية، يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة حيوية يمكن أن تسهم في تجديد وتطوير المؤسسات الإعلامية إذا ما استُخدم بطريقة مدروسة ومسؤولة ، وهنا يأتي السؤال لماذا الذكاء الاصطناعي في الإعلام السوداني؟
إن الذكاء الاصطناعي ليس ترفًا، بل ضرورة في ظل تسارع التطورات التقنية وازدياد التنافس على جذب الجمهور. بالنسبة للمؤسسات الإعلامية السودانية، فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يرفع الكفاءة من خلال مهام مثل التدقيق اللغوي، الترجمة، تصنيف المحتوى، وإدارة الأرشيف وكذلك يُخصّص المحتوى للجمهور عبر تحليل تفاعلات المستخدمين واهتماماتهم، مما يسمح بتقديم محتوى يناسب تطلعاتهم ، وبيتهم أيضًا في مكافحة الأخبار الزائفة وهو أمر مهم جدًا في ظل انتشار المعلومات المضللة، خاصة أثناء النزاعات ، يحافظ على الذاكرة الإعلامية عبر أدوات أرشفة رقمية ذكية يمكنها تصنيف وحفظ المحتوى واسترجاعه عند الحاجة.
رغم أن تطبيق الذكاء الاصطناعي في الإعلام السوداني لا يزال محدودًا، إلا أن هناك فرصًا واسعة يمكن استغلالها، مثل كتابة الأخبار تلقائيًا باستخدام أدوات تساعد الصحفيين على صياغة مسودات مقالات بناءً على بيانات ، وتحليل البيانات لفهم توجهات الرأي العام، وتحسين استراتيجية النشر ، وتحسين جودة البث بالصوت والصورة، ومعالجة اللغات في النشرات أو البرامج الإذاعية وكذلك أرشفة المحتوى تلقائيًا مما يُسهّل حفظ التاريخ الإعلامي الرقمي في ظل فقدان الكثير من الأرشيف التقليدي.
فمن البدهي أن لأي ثورة حديثة عقبات تواجهها فالذكاء الاصطناعي في السودان يصطدم بتحديات أبرزها ضعف البنية التحتية الرقمية: الإنترنت غير المستقر، نقص الكهرباء، وعدم توفر الأجهزة المناسبة ،قلة الكفاءات المدربة فمعظم الإعلاميين لم يتلقوا تدريبًا كافيًا على أدوات الذكاء الاصطناعي أو تحليل البيانات ، وكذلك غياب السياسات والتشريعات أي لا توجد قوانين واضحة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بالخصوصية وحقوق النشر.
إذًا لابد من البداية واللحاق بالدول الأخرى التي استخدمته وإحدثت تغيير كبير في مجال إعلامها ، فمن الأهمية الاستفادة من الخبراء السودانيين داخل وخارج السودان ليضعوا خطة محكمة و مستقبلية وأن يكون الاستثمار في التدريب هو الأساس وتقديم ورش ودورات مهنية للصحفيين، المحررين، والتقنيين و بناء شراكات ذكية مع الجامعات، شركات التقنية، ومنظمات المجتمع المدني .
كلمة أخيرة…
الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا للصحفي، بل هو أداة يمكن أن تعزز من جودة العمل الإعلامي، وتمنحه مساحة أكبر للإبداع والتحليل. وفي السودان، حيث لا تزال المؤسسات الإعلامية تبحث عن الاستقرار والاحترافية، فإن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي قد يكون أحد المفاتيح الأساسية لمستقبل إعلامٍ أكثر استدامة وتأثيرًا ،
و لكن النجاح لا يتحقق إلا إذا اجتمع الوعي بالتقنية، مع الالتزام المهني، والدعم المؤسسي. وبهذا فقط، يمكن للإعلام السوداني أن يتحوّل من المتلقّي إلى المبتكر في عالم يتشكّل كل لحظة.