هل نحن حقا نرى بعين البصيرة ونكشف الحجاب عن وهم الشر وناره المستطيرة ام نظل نرفل في العمى واحواله التي ليست لها نهايه فهي مساحة مستديرة
دعونا مع سورة الطلاق التي تكشف لنا الوجه الأخر وتسرنا للآخر
فكيف يكون مع الضيق الفرج ومع العسر اليسر ومع الشدة الرخاء
وكيف وان طال العسر فسيجعل الله بعده اليسر فتكون حرارة اللقاء للمشتاق وحلو المذاق٠
كيف انه في قمة الضيق ووعورة الطريق وفض شراكة العمر مع الزوج الرفيق حيث فشل الإصلاح ولم يوفق بالنجاح وارتفع صوت العيال بالصياح والزوجة بالنباح وأظهر الزوج الانبطاح وتفرقت الأسرة بالبطاح ٠
كيف يكون المخرج قد لاح وكيف نلملم ما ألقى من ألواح والغضب قد أعمى القلوب وكان لها وشاح ٠
تعلمنا السورة أن الحياة الدنيا ليست طريقا له اتجاه واحد تسلكه مغمض العينين وليس لك مخرج يعين
الحياة ليست كلها رطبا جنيا وليست عسلا مصفي نقيا وليست كذلك ملحا اجاجا ولا سما مغليا فالحياة ابتلاء تدول الأيام فيها وليس هنالك احد نسيا منسيا ٠
ولكن يظل الإنسان الضعيف متعلقا قلبه بالخير وعنده يقيف
ويظل يرجو دوامه ويملك زمامه فإن تبدلت أيامه ومسه ايلامه تبددت أحلامه وتنكب الطريق في ظلامه ( لا يسئم الإنسان من دعاء الخير وان مسه الشر فيئوس قنوط )
إن الحقيقة التي تكشفها لنا سورة الطلاق هي أن الله كتب على نفسه الرحمة في ام الكتاب الذي عنده بحساب انه يجعل بعد عسر يسرا وبعد ضيق فرجا ويحدث بعد ذلك أمرا
فإن ضاق بك الحال وعجزت عن المقال واستفدت كل طرق العلاج الفعال فلن يكون حالك أشد من حالة الطلاق باي حال من الأحوال ٠
ففي قمة انسداد الأفق وقد فقدت الزوجة والأولاد وعجزت عن الوصل والوداد تأتي سورة الطلاق لتفتح لك مجالا أخر مكتوب في ام الكتاب ( لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا )
الله الذي كان شاهدا على الميثاق الغليظ الذي اتخذته والعقد المبارك الذي وثقته والطرف الأخر الذي أسرته وأصبح مقيدا عندك فكه
فإن كان الله يحدث بعد الطلاق أمرا فماذا عن قضايا الحياة التي هي اقل قدرا ( سيجعل الله بعد عسر يسرا )
ولكن هذا العطاء السحري السريع الفعال هو فقط حكرا على أهل التقوى الذين ينتظرون من الله وحده كشف البلوي ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا )
أهل التقوى تفتح لهم الأبواب وتيسر لهم الأسباب ويأتيهم الفرج يمشي على استحياء ويرتدي جلباب يقدم نفسه عروسا تكشف لك الحجاب ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )
الأمر الآن خرج من تدبيرك الكليل وحلك الضئيل وفهمك القليل خرج حيث الخبير الوكيل
أيها العبد الضعيف إنك ترى الشر حيث المقدمات وتظن أنها تؤدي حتما الي النهايات وهي مناط الغايات وتبعد الله تماما من الحسابات ٠
قد يؤدي أول طريق الشر الي الخير فقد تشعر فيه بوخذ الشوك وتظل تسير فيه وقد ادميت قدميك وقد لا تصل إلى الخير إلا بعد قطع أميال وقد تصله ببعض خطوات كما هو مكتوب في خارطة الطريق التي لا بد أن تصبر على تفاصيلها وتتوكل على الله في تنزيلها ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل لكل شيء قدرا)منا من يقطع خطوات ومنا فلوات ومنا من فات عليه الفوات فلا أرضا قطع ولا ظهر ابقى ( وكان أمر الله قدرا مقدورا )
تعلمنا سورة الطلاق الأمل في قمة الاحباط والتعلق بالله وحده في الملمات والتوكل المطلق عليه بثبات وتلاوة الآيات المنجيات وقطع الرجاء في طرق الشيطان المهلكات
فقد يكون حبك لواقع تعيشه وتحسب ان الخير في عريشه هو نفسه الشر الذي سوف ينفش عما قليل ريشه
قد يكون هو السم في الدثم ٠ لذلك تجد في دنيا الناس الغريب من الفهم فقد لا يرضي بعض الناس بالخير الذي يريده لهم الله وهو لا يعلم قد يتضايق منه ويتألم ويشتكي ويتكلم
ولعل هذا ما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا في دعاء الاستخارة نقول ( واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به )
اختيار الله بعلمه ومعرفة عاقبته وختمه
في سورة الطلاق ندرك انه ليس للأمل حدود وليس في الرجاء قيود ( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وان الله قد أحاط بكل شئ علما )
وهذه هي آخر آية في السورة ولا تحتاج إلى سبورة فهي مشهورة
اخر اية في سورة الطلاق تعلمنا كيف يكون الإقلاع والانطلاق ٠
الإقلاع من أرض الاحباط الي فضاء الأمل والرجاء
ففي كل الأحوال ( سيجعل الله بعد عسر يسرا )
