
تمرّ الحرب اللعينة بعامها الثالث، وما زالت تحصد الأخضر واليابس في بلادنا، وتلقي بظلالها القاتمة على كل شيء جميل، بما في ذلك الأخلاقيات والسلوكيات والذوق العام. كانت حياتنا آمنة، مستقرة، يسودها شيء من النظام والاحترام، حتى في المجال الرياضي.
رغم كل النواقص، كانت الحركة الرياضية السودانية تمارس قدراً من الديمقراطية والحرية، وتتيح للأفراد والاتحادات مساحة لممارسة الحقوق والواجبات، ولو لم تكن بالمستوى الذي نطمح إليه لتحقيق الأحلام والطموحات.
إلا أن ما نراه اليوم يثير الأسى الشديد ويبعث على الحسرة. واقعنا الرياضي، وبالأخص في كرة القدم، أصبح بحاجة ماسة لمراجعة شاملة. المؤسف أن اجتماع مجلس إدارة الاتحاد السوداني لكرة القدم الأخير لم يسفر عن أي جديد، بل جاء مخيبا للآمال.
فبدلا من أن يُعالج الأزمات، فاجأنا المجلس بقرار أحادي يقضي بتقديم موعد انعقاد الجمعية العمومية إلى شهر يوليو، بعد أن كان متفقا عليه في شهر نوفمبر. هذا القرار لا يبدو بريئا، بل جاء بنية مبيتة لحرمان اتحادات دارفور من المشاركة، وهي اتحادات نعلم جميعًا أنها تعاني ظروفا صعبة في مدن مثل الضعين والعاشر والجنينة وزالنجي، تجعل من الصعب توفيق أوضاعها في هذا التوقيت الضيق.
القرار اتُخذ على عجل، ووراءه إصرار غير مبرر من قيادة الاتحاد، وعلى رأسهم الرئيس ونائبه، واللذان أصبحا بارعين في اتخاذ قرارات بعيدة كل البعد عن مصلحة الوطن والكرة السودانية. اختفت النوايا الطيبة التي كانت تُحكم العمل الرياضي، وبدأت تظهر ممارسات الإقصاء والتآمر والإبعاد الممنهج للشرفاء، في مشهد عبثي يُكرّس الفوضى والانقسام.
لطالما استمتعنا سابقا بالحراك الانتخابي الصحي، حيث كانت البرامج تُطرح والنقاشات تُفتح، وكان التنافس شريفا ومثمرا. لكن اليوم، ومع تغييب اتحادات دارفور والتعامل معها بسوء نية، انقلب المشهد إلى تصفية حسابات لا تمت بصلة لمصلحة الكرة السودانية.
أما ما حدث مع حسن برقو، فهو أكبر تجلٍّ لهذا العبث. فقد مسح تاريخه ومستقبله بخطوة واحدة، حين وضع يده في يد من لا يحمل نية الإصلاح، في محاولة يائسة لما سمّي “الوفاق”. تلك كانت لحظة سقوط، لا مجرد تنازل.
للأسف، لا نزال في مرحلة “المناظر”، أما “الفيلم” الحقيقي، فلم يبدأ بعد. ومن المؤكد أن الخاسر الأكبر في هذه الجولة من الصراعات هو السودان نفسه، وكرة القدم السودانية، التي لن تنهض طالما استمر العبث واستُبعد الصادقون.
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.