الرأي والتحليل

محمد طلب يكتب: (أنا أكتب ليك..) يا خميس زكريا عن سقوط الفاشر الأبية

مع سقوط الفاشر تذكرت صمودك مع الحصار الطويل واستشهادك بعد أن صليت الفجر حاضراً والذي كان آخر أعمالك في الدنيا.. والغريب إني تذكرت أغنية (حبيبي أكتب لي… وأنا أكتب ليك).
ومثلت لي مراسلاتنا الجميلة على (الواتساب) وأحلامنا التي كانت تطوف وترحل أنت محاصراً بالفاشر و أنا مقيداً بمهجري القسري.. لكن الأحلام لا تعرف قيداً ولا سجناً ولا حصاراً …
لكن هذه المرة يا خميس لن تصلك كلماتي بالضحك الجميل القديم ولا بصوت الناي في أمسياتنا القديمة ، بل مع هدير القصف ودخان البيوت التي عرفناها وشبح الموت الذي يلاحق الناس بأسباب الناس..
أتذكر الآن رسائلك الصابرة والتي كانت تزرع الفرح في قلوبنا.. عندما نحكي عن :
الحاصل بي… والحاصل بيك
و الآن أنا في المنافي أكتب…
وأنت هناك، تحت تراب الفاشر صامت كالسلام الذي حلمنا به يومًا.
كنت تضحك وتقول لي دومًا:
(الفاشر ونحن ما بنركع، يا طلب بنصمد والله يهون)
اليوم ركعت المدينة
لا خوفاً.. بل إنهاكاً من طول ما انتظرت وعداً لم يأتِ، وسلاماً لم يُكتب…
كنت تحكي لي عن الجيوش الموجودة داخل الفاشر عن كمها وعتاده وأنك لا تدري ماذا ينتظرون..!!! حتى رحلت مأسوفاً عليك في حادث المسجد..
يا خميس، يا من كنت تحمل الكلمة كأنها سلاح.. والضحكة كأنها قصيدة كنت أكتب اليك مواسياً حديثك الصبور الذي يجعلني من يحتاج للمواساة، هل تسمع الآن يا صديقي صدى الأغنية؟.
(أنا أكتب ليك… وأنت أكتب لي)..
لكن كيف تكتب لي وقد صار القبر بريدك والبرزخ عنوانك الجديد؟.
يا صديقي، في الفاشر اليوم يسأل الأطفال عنك وفي الطرقات نساء يبحثن عن ظلك في المارة وفي البيوت الحزينة تردد الأمهات اسمك بين التسبيح والدعاء أنت الذي كنت تقول:-
(ما في زول بيموت لو الوطن لسه حي)
لكن الوطن يا خميس…
صار في العناية المركزة
محاطاً بالمتفاوضين الذين لا يسمعون أنينه ولا يرون دمه المسفوح في شوارع مدينتك فاشر السلطان….
يا خميس…
الذين كانوا بالأمس يبيعون الوهم للناس ما زالوا اليوم يزايدون على دمك يقولون إن الحرب قدر لكنهم لا يفهمون أنهم كانوا (اسباباً) أنها أيدي الذين لا يعرفون الرحمة.
يا ليالي زمان… الله عليك
قطعاً تتذكر تلك المراسلات
والضحك من سذاجة أحلامنا قلت لي يومها: (لماذا لا يهاجمون ويفكون الحصار) وقلت لك يومها :
(انت يا خميس لاعب كرة قدم معروف تعلم ان الهجوم خير وسيلة للدفاع)..
و ضحكنا كثيراً يومها …
عذراً يا صديقي لقد سقطت الفاشر اليوم ولا أدري كيف!!؟ كما اعتدنا هل هو انسحاب!!؟؟ ام هزيمة!؟؟ أم شيء من أشياء (التحت تحت)؟؟!!! من التحالفات والتناقض والتناقص!!! لا أدري؟؟!! ….ولا أريد أن أدري!!! … يكفينا ما عرفناه وما كشفت عنه الأيام…
أنها حرب لا توقفها كلماتنا، لكنها على الأقل تحفظ الذاكرة من التلاشي، وتمنح الموتى حياة أخرى…
يا خميس..
لو كنت هنا لقلت لي بابتسامتك الساخرة:
(دا ما موضوعنا يا طلب).
لكنك تعرف أن الموضوع هو الذين ضيعوا الطريق بين المبدأ والمصلحة….
سلام عليك يا خميس..
سلام على الفاشر التي علمتنا أن الصمود لا يعني البقاء واقفين فقط بل يعني أن نموت بشموخ و نكتب بالحبر الذي صار دماً و أن الوطن أكبر من الحرب… وأبقى من السلاح…
يا خميس..
ها هي الفاشر تسقط بعدك تسقط لا لأنها ضعيفة بل لأن من حولها أقوياء في الصمت
عاجزون عن الفعل…
سقطت المدينة التي أحببتها، وسقط معها آخر ما تبقى لنا من يقين بأننا شعب واحد.
أنا أكتب ليك… وأنت أكتب لي
لكن هذه المرة، يا خميس
لن أطلب منك جواباً أو تطميناً على أحوالكم والفاشر
يكفيني أنك رحلت واقفاً، صامداً تصلي إلى ربك وتتلو كتابك …
الآن أتذكر كلماتك
(الوطن ما بموت… إلا لو ماتت القلوب).
سلام عليك يا خميس..
يا صديقي في الأيام الهادئة، سلام عليك يا صديقي يوم أخذتنا الأجهزة الأمنية ظلماً وافتراء في التسعينيات..
و سلام عليك يا شهيد الفاشر الأعزل …
سلام عليك يا من ظلمك الطرفان المتقاتلان.. وقع عليك الظلم مرات ومرات من هذا ومن ذاك.. ولك الله يا (خميس زكريا زول المحرية).
سلام على روحك التي لم تهزمها الحرب ووسلام على المدينة التي علمت العالم أن الحصار لا يمنع الأمل من التنفس…
سلام عليك…
حتى نلتقي في وطن وعالم آخر لا تُطلق فيه الرصاصات على الأحلام ولا يُغتال فيه الصديق لأنه أحب بلاده أكثر من اللازم وظل صامداً بها حتى لقى ربه.. لم تكن مثلي يا صديقي فأنا هارب من مصيري..
وختاماً دعني اتسأل لعلي أجد عندك الإجابة يا صديقي من عالم لا تواصل بينه وبين عالمنا مثلما تسأل الدسوقي ورحل:
لييه بنهرب من مصيرنا ونقضي أيامنا في عذاب.
أديس أبابا
26-10-2025

هشام احمد المصطفي(ابوهيام ) رئيس التحرير

من أبرز المنصات الإلكترونية المخصصة لنقل الأخبار وتقديم المحتوى الإعلامي المتنوع والشامل. تهدف هذه المنصة إلى توفير الأخبار الدقيقة والموثوقة للقراء في جميع أنحاء العالم العربي من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة والأساليب المبتكرة في عرض الأخبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى