
هذه الايام كلما اقرأ( سورة يس) التي اعتدت المواظبة علي قراءتها لسنوات انتبه الي ما يشدني للواقع الحالي الذي نعيشه فأدرك ان القران الكريم يحكي عن احوالنا بالتفصيل هذا بسورة واحدة تعودت علي قرأتها فما بال من يختمون القران اسبوعياً او شهرياً والحفظة من دار فور وكردفان والحفظة في همشكوريب وخلاوي شيوخ الوسط والشمال وغيرهم ..
كما اجد ان السورة تأخذني لغيرها مما اعرف فاعود للمصحف واراجع …
في سورة يس جاء القول الإلهي الحاسم:-
*(وسواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون.)*
آية تحاكي الصمت بعد طول نداء، تصف أولئك الذين لم يعودوا يرون النور ولو أُوقد أمامهم ألف مصباح، لأن العمى هذه المرة ليس في البصر بل في البصيرة.
فالإنذار لا يكون مؤثراً إلا حين يكون القلب مبصراً
أما من أطفأت في نفسه جذوة الإدراك فهو كمن أغلق نوافذه ثم شكا من الظلام.
ورغم وضوح الآية فإن السؤال يبقى يهمس في العقل والروح معاً :-
*إذا كانوا لا يؤمنون سواء أُنذروا أم لم يُنذروا فما جدوى الإنذار إذاً ؟؟؟*
الجواب كما يقول العارفون أن الخطاب ليس لهم وحدهم بل للجميع لنعرف متى يبدأ الموت في القلوب وكيف يُنزع من الإنسان إحساسه بالحق والباطل…
إنها آية تذكرنا أن الله لا يمنع البلاغ حتى عن من لا يسمع لأن البلاغ نفسه شهادة للحق وتذكرة للناس ودليل على أن الرحمة الإلهية تسبق العدل…
وفي الحرب (السودانية السودانية) نرى هذه الصورة ماثلة كل يوم فريقان يتنازعان، كل يرفع راية الوطن لكن الوطن ينزف بينهما صامتاً…
الكل يهتف الله اكبر الله اكبر..بلا نصر لان كبيرهم الدبابات والمسيرات والقتلة والظالمين وكلاهما من (المتأسلمين) بلا إيمان ….
يناديهما صوت العقل و ينذرهم الموت والدمار،
ولكن… (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم)،
لا يسمعون إلا ضجيج السلاح ولا يرون إلا غنائم الذهب،،
وعندما يقول البعض( لا للحرب) ويذكروهم بالسلام فيتهمونهم بالضعف ، يحدثونهم عن الوطن، فيرمونهم بالخيانة، والعمالة
وكأن الحروف ارتدت على قلوب مغلقة بمسامير عنت الكبرياء.. وتجمعهم (كرامة) البليلة ولا حيلة لهم سوي (البل) بدون (مصر)و لا (شر)م الشيخ (شِن معناتو يا عم الشيخ ) لا (كَرّتهم) ولا (كرتوك) ومرة (تعرد) و مرة (يعردوا) كر وفر وكركرة وفرفرة وهكذا (دلاليك) وقونات وجبجبة و ( نقيط) مش النقيط دا ضمن مشروع (البل البطئ) نقطة نقطة…
والحفر بالابرة واللا شنو!!!؟؟ المهم( دا ما موضوعنا) ……
فالقضية ليست عن هؤلاء فقط بل عن الذين ما زالوا يسمعون النداء في وسط هذا الضجيج أولئك القلة الذين( اتبعوا الذكر وخشوا الرحمن بالغيب.)
هؤلاء هم الذين لا تزال في أرواحهم بقية من نور،
ينتظرون فجراً جديداً ولو تأخر فانه اتٍ بلا شك وانهم اتون…
وهنا يأتينا درس اخر من سورة الكهف:-
(إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا، فأَتْبَعَ سببا… ثم أَتْبَعَ سببا.)
فالهداية لا تُلقى اعتباطاً، بل تُتَّبع سبباً بعد سبب.
تماماً كما أن الإصلاح في الأرض لا يتم بدفعة واحدة،
بل بخطوات متتابعة (فاء) للترتيب تعقبها (ثم) للترتيب مع التراخي اي( بعد زمن) قد يطول وقد يقصر…..
مما يعني أن الوعي لا يُبنى دفعة وأن التغيير لا يُزرع بالصراخ بل بالصبر والاتباع للاسباب والان *الرباعية* واحد من الاسباب والاولي اتباعه فـ(البل) يحتاج الي (مصر) والمصر احد اضلاع المربع …..
وهكذا حتى في الحرب لا يكون النصر لمن يصرخ أكثر؛ بل لمن يعرف السبب ويتبعه يعرف أن السلم طريق طويل، وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم…
فغيروا (المبلول) بالجاف وقد تعب الجنود و اهلهم فدعوهم (ينجموا) وعندما يقولوا (انجمينا) تفرغوا لتكوين جيش قومي واحد
ولعل السودان اليوم على مشارف هذا الدرس القرآني العميق أن نتبع الأسباب لا الأهواء وأن نحفظ صوت الإنذار في قلوبنا قبل أن تصمه البنادق.
فالمولي عز وجل عليم بان اتخاذ الاسباب نتائجه عظيمة لذلك قال: (فأَتْبَعَ سببا… ثم أَتْبَعَ سببا)
أي أن الفهم والإصلاح عمل متدرج يحتاج صبراً واتباعاً، لا عجلة ولا غروراً…
وفي الختام يبقى الرجاء
أن لا نكون من الذين لا يُنذرون و لا من الذين أُعطوا السبب فضيعوه، بل من الذين إذا سمعوا الذكر، اتبعوه، وإذا أُعطوا السبب، وصلوا به إلى السلام.
قوموا علي (رباعيتكم) ولو حبواً قبل (العنقريب) علي اربعة ….
اديس 24/10/2025
mtalab437@gmail.com



