الرأي والتحليل

محمد طلب يكتب: الرباعية و الدروس القرآنية في الأسباب والتعزيز

يبدو العنوان غريب جداً.. و ربما يقول قائل ما علاقة القرآن بقيادة أمريكية كافرة تريد أن تسيطر علينا وعلى ديننا و قراراتنا ومواردنا ووو…
في مقال سابق بعنوان (الله السلام جل جلاله والشيطان الرجيم) حدثتكم عن الآيتين (60 ،61) من( سورة يس)… وما نحسبه المقصد من الجمع بين طريق الله طريق الشيطان في آيتين متتاليتين.
سورة يس وسورة الكهف من السور التي نتلوها بشكل دوري (تبركاً) دون الوقوف عند الآيات وتدبرها بشكل عميق وانزالها على واقعنا الحالي الخالي من العظات.. أليس آيات القرآن صالحة لكل زمان ومكان؟.
لكن مؤكد أن البعض سيستوقفهم عنوان هذا المقال وربما يصفوني بما ليس بي أو يخرجوني عن الملة ..
المهم ..(دا ما موضوعنا).. ولا يهمني ما يقولون طالما انني أؤمن بالله ولا أشرك به أحداً مع ايماني باليوم الآخر و أحسب اني أعمل صالحاً مع كل أركان الايمان والإسلام ..
تستوقفني دائماً تلك الآية الكريمة من سورة يس:-
(إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ).
فهي آية تتدفق منها حكمة ربانية بديعة وتشير الى أن الطريق إلى الإصلاح وأسبابه لا يُغلق عند أول رفض، وأن السماء تُعلمنا ألا نيأس من البشر، ولو بعد تكذيبين متتاليين.
الله وهو القادر أن يقول للشيء (كن فيكون) اختار أن يُرسل ثالثاً بعد اثنين، ليغرس فينا درساً خالداً أن (التعزيز) أحياناً أهم من البداية، وأن الإصرار أحياناً أعظم من النصر نفسه… فقدرته سبحانه وتعالى كان من الممكن أن تجعلهم صعيداً زلقاً ..لكنه (عزز بثالث) أنها ليس مجرد قصة من (قصص القرآن) .. كما أعتقد أن قصص القرآن كلها حكم ومواعظ لمن أراد كما أنها لا تخرج عن التجارب الإنسانية التي تدعم المعرفة التراكمية للآدميين من البشر والناس…
وحين نتأمل حال السودان اليوم، في دوامة الحرب والخذلان والرجاء المعلق، أجد هذه الآية تسري كالماء في العروق اليابسة.
كم مرة جلس طرف من هنا و آخر من هناك على طاولات التفاوض في جدة، و في البحرين، ثم أعدت الرباعية الدولية، يتحدثون عن السلام وكأنهم يلهثون وراء سراب بعيد؟.
وكم مرة سمع الناس كلمات جديدة بأصوات قديمة، فظنوا أن كل جولة ما هي إلا الفشل الأخير!!!
لكن لما لا ننظر إليها بمنظار آخر؟ أليست كل هذه المحاولات وجهاً من وجوه (التعزيز) لمسار لم يُرد له أن يُختصر في جولة واحدة..
ربما كانت اتفاقية جدة والبحرين هما رسالة و رسل سلام كما في (سورة يس)، وربما جاءت الرباعية كـرسالة تشبه (الثالث) الذي يُعزز الأمل ويُذكرنا أن الله لا يترك عباده دون أن يفتح لهم باباً جديداً، ولو بعد أبواب أوصدها الغضب والدم…
دعونا نجمع بين ما ورد في سورة يس مع ما ورد في سورة الكهف (تعزيزاً) ودعماً لرؤيتنا في اتخاذ (الأسباب) و (التعزيز) .
ففي سورة الكهف نقرأ تلك القاعدة الذهبية في صناعة النهضة:-
(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) …. ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89).
تأمل كيف تتدرج الكلمات… (فاء) تعقب السبب والتمكين بسرعة، ثم تأتي (ثم) التي تُفيد الترتيب مع التراخي والتفكر، إنها خريطة الطريق القرآنية لبناء الأمم، التمكين وحده لا يكفي، بل لا بد من وعي بالسبب، واتباع واعٍ ومتدرج يؤدي إلى الخواتيم التي بدورها تكون أسباباً جديدة لما بعدها من إعمار …
ويا من تظنون أن السودان ضاع، تذكروا أنه حتى ذي القرنين وهو المُمكن في الأرض لم يُعط كل شيء دفعة واحدة، بل أُعطي السبب، فاتبعه سبباً، ثم اتبعه سبباً.. وسنظل نعمل بالأسباب وما تم تهيئته في (الرباعية) ..
وكأن القرآن يُعلمنا أن البناء العظيم يحتاج إلى تأنٍ، وأن الحكمة لا تولد في العجلة.
هكذا تسير سنن الله في التغيير:-
فأتبَع سببًا… ثم أتبَع سببًا
لا يأس، ولا قفز فوق المراحل، أن اتخذنا الأسباب للسلام فسوف نصل بلا شك رغماً عن (بل بس) التي أوردتنا المهالك إنها دعوة لأن نعيد الإيمان بجدوى السعي، لا في نكهة الشعارات، بل في عُمق الفهم.
أن كل محاولة للسلام مهما بدت متعثرة هي لبنة في جدار النجاة، وأن الوطن لا يُشفى بـ(حبة واحدة بل جرعات بتواقيتها ) أو (حبة عند اللزوم) …
و بخطوات متدرجة، تتبع (الأسباب)، وتستدعي (التعزيز)، و تؤمن أن الفجر لا يأتي إلا بعد سلسلة من (سهد اليالي) وتحمل الألم..
فلتكن هذه الحرب درساً لا لعنة، ولتكن المفاوضات مهما تعددت صورة من صور الإصرار على الحياة.
فالله الذي (عزز بثالث) لن يخذل قوماً إذا أخلصوا نيتهم و(اتبعوا الأسباب)، خطوة بخطوة، (ثم) بعد (فاء) حتى يشرق السلام كالشمس التي لا تحتاج إلى إعلان كي تُرى…
وهكذا فإن (الرباعية) ليست بداية جديدة بقدر ما هي (تعزيز ثالث) لما سبقها من محاولات، امتداد لمحاولات جدة وظلال البحرين وليست بديلاً عنهما..
إنها حلقة أخرى في سلسلة الأسباب التي تُدار بها سنن الله في التغيير.. فأتبَع سبباً… ثم أتبع سبباً، حتى يبلغ السودان مراده من سلام راسخ لا يُفرض بالقوة، بل ينبت بالإصرار والتدرج والإخلاص.
أديس 22/10/2025

هشام احمد المصطفي(ابوهيام ) رئيس التحرير

من أبرز المنصات الإلكترونية المخصصة لنقل الأخبار وتقديم المحتوى الإعلامي المتنوع والشامل. تهدف هذه المنصة إلى توفير الأخبار الدقيقة والموثوقة للقراء في جميع أنحاء العالم العربي من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة والأساليب المبتكرة في عرض الأخبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى