الرأي والتحليل

محمد طلب يكتب: (طه و يس).. والأسماء التي تجرؤ على السؤال!!!

عزيزي القارئ ربما يأخذك العنوان قبل الدخول في تفاصيله ويشغل تفكيرك قليلاً فيما ورد به من مفردات وأسماء …
والتفاصيل قد تفتح باباً بين الإيلاف الديني والعادة الاجتماعية و تدخلنا من خلاله إلى مساحة من الأسئلة التي لا يجرؤ كثيرون على طرحها رغم بساطتها وارتباطها بنا و الحياة اليومية…
في جمعة مضت لبست ثوب (الإحرام) لست قاصداً الحج ولا العمرة، بل لأؤدي صلاة الجمعة بمكان وجودي القسري وسط الناس بثوب لم يعتادونه إلا عند البيت الحرام.
لم يكن الأمر تمرداً ولا بحثاً عن لفت الأنظار بل تجربة صامتة لاختبار المجتمع، أردت فقط أن أرى كيف نتعامل مع ما هو (مختلف) عن (المعتاد) مع ما يخرج عن المألوف ولو قليلاً.
كانت النظرات تسبق الخطى، وبعض الهمهمات تخرج بلا إذن، والدهشة تملأ الوجوه كأنهم رأوا شيئًا لا يجوز رؤيته في بيت من بيوت الله غير (البيت الحرام) .. كنت أود أن أرى كيف يواجه الناس (المختلف) حين لا يملك سوى (البياض) فكانت الدهشة أبلغ من أي خطبة، والهمس في الصفوف الخلفية أكثر من التسبيح… فقلت في نفسي يومها ليس (الاختلاف) في الفعل وحده ما يربك الناس بل في الرمز أيضاً و عرفت أننا قد لا نرفض (الفكرة) في ذاتها بل نرفض (غرابتها)… أننا لا (نكره) الفعل، بل (نرتبك) من كسره للسائد.
ومن تلك اللحظة الصغيرة، وُلد سؤال أكبر ظل يطوف في رأسي لماذا نأنس ببعض الرموز الدينية ونخاف من بعضها الآخر؟.
لماذا نسمي أبناءنا (طه) و (يس)، ولا نجرؤ على تسميتهم (كهيعص) أو (المر) أو (الم) أو (المص)؟
هذه الحروف التي تُفتتح بها سور من القرآن تمر على أسماعنا في الخطب والتلاوة كأنها أنغام نخشع لها دون أن نفهم معناها الكامل.
ربما هي مفاتيح بين الله ورسوله، أو رموز خفية في لغة الغيب، لم يُكشف سرها للبشر وربما اراد الله ان يجعلها محاور بحث او ربما سرها في تأمل مخارجها او غيره المهم انها محاور بحث لا اعرف اي نهي عن البحث فيها.. بل أظنها محاور للبحث العميق.
لكن الناس على مر العصور آمنوا أن ( طه و يس) اسمان من أسماء النبي صلي الله عليه وسلم فصار الاسم قريباً للقلب …
هكذا نرى أن الاسم في ثقافتنا ليس مجرد لفظ يُطلق على المولود بل هو موقف من النص و اختيار من الذاكرة الدينية الجماعية.
ننتقي من المقدس ما (نستأنس) به ونترك ما (يُربكنا)
نتعامل مع القرآن كحديقة نختار منها الوردة التي نحب لونها ونمضي تاركين الزهرات الأخرى دون أن نسأل عن عبيرها…
و تبقى الحروف الأخرى في منطقة الغموض لا أحد يجرؤ أن يجعلها اسماً لمولود أو حتى لقباً رمزياً، كأن سرها أكبر من أن يُحتمل أو كأن الغيب حين يزداد عمقاً يزيدنا رهبة منه…
لكن ألا يدعونا هذا الموقف للتأمل في طبيعة الإنسان نفسه؟
كيف أنه يميل دائماً إلى ما يفهمه و ينفر من المجهول ويهرب من الاسئلة الباحثة بل يحرمها؟؟؟
نختار الأسماء التي تمنحنا طمأنينة ونهرب من تلك التي تذكرنا بأن وراء المعنى أفقاً لا نعرفه…
وليس هذا في الحروف المقطعة وحدها بل حتى في أسماء الأنبياء سمينا أبناءنا محمد و إبراهيم و يوسف و موسى وعيسى و نوح و ادم وزكريا ووو … وكلها أسماء وردت في القرآن مقرونة بالرحمة والهداية والنور.
لكننا ربما لن نسمع أحداً سمى ابنه (لوط ) رغم أنه نبيّ من أنبياء الله.
ربما لأن قصته التصقت في الأذهان بفساد قومه لا برسالته فبقي الاسم في زاوية منسية من الوعي الجمعي وكذلك (ذو الكفل) نبي صالح لم تُنسج حوله الحكايات الشعبية، ولم تُحط به الروايات المتوارثة، فغاب اسمه رغم طهارته…
هل لأن قصص بعض الأنبياء ارتبطت في الذاكرة الجمعية بمدن هلكت أو أقوام عُذبوا بما أتوا من الفاحشة، فخشينا أن تنعكس ارتباطات الاسم في عقولنا على صاحبه؟؟؟
كأننا نحاكم الاسم بمعناه التاريخي لا بمكانته النبوية.
نسينا أن النبوة لا تُختزل في قوم كفروا أو عذاب نزل
بل في الرسالة نفسها في الصبر والبلاغ والنور الذي كان قبل السقوط.
وربما تكمن المشكلة في أننا في هذا العصر صرنا نريد كل شئ بسيطاً و مباشراً.
نخاف من العمق من الأسرار من الغموض الجميل الذي يفتح أبواب التفكير…
صرنا نريد ديناً مريحاً لا يرهقنا بالأسئلة ولا يدفعنا للدهشة…
لكن القرآن لم يُنزل ليكون كتاب إجابات جاهزة بل كتاب تساؤلات توقظ العقل ورموز تفتح البصيرة.
ومن يقرأ الحروف المقطعة ويمر عليها كأنها مجرد (ألفاظ) لم يذق بعد جمال غاب عنه في اللغة.ط واللفظ
لاحظت ان في (طه) و (يس) الخطاب مرتبط بمفردة (القران) بينما اكثر الحروف المقطعة مرتبطة (بالكتاب) ربما هذا مايجعلها الاقرب لقلوب المسلمين بغض النظر عن الدلالات الاخري …
ليطرأ السؤال المنطقي هل القران هو الكتاب ؟؟
وتكون الاجابة في افعالنا و(الاسماء) وان الكتاب ليس القرآن…
وربما تكون الحكمة أن الإيمان ليس في الفهم الكامل بل في التسليم الجميل، أن الغموض أحياناً جزء من النور وأن الصمت أمام سر إلهي أعظم من كثير من الكلام…
فلتكن إذن هذه الحروف لا مادة للتسمية فحسب، بل نافذة على المجهول الجميل الذي يجعل الإيمان أكثر عمقاً والإنسان أكثر خشوعاً أمام سر الخلق وكلمة الله.
ربما المسألة في جوهرها نفسية أكثر منها دينية
نحب (طه و يس) لأنهما وردتا في القرآن بصوتٍ عذبٍ وسياق رحيم مرتبط بالقرآن، ولأننا دون وعي نتعامل مع النص الإلهي كمن يختار من طبق كبير ما يوافق ذوقه فقط…
لكن لو كنا أكثر عمقاً لوجدنا في كل حرف من الحروف المقطعة سراً يستحق أن يُتلى و في كل نبي قدوة تستحق أن تُذكر، حتى لو ارتبطت قصته بالهلاك وفواحش قومه لأن العبرة ليست في النهاية بل في الرسالة التي سبقتها.
ولعل أخطر ما نفعله هو أن نحول الاختيار في الدين إلى انتقاء فنأخذ من النص ما (نحب) ونترك ما (يربك) عاداتنا.
تماماً كما حدث يوم لبست الإحرام في صلاة الجمعة،
(فارتبكوا) من (البياض) أكثر مما (تأملوا) في المعني
وها نحن نرتبك من (الاسم) أكثر مما نتفكر في حروفه…
فهل يمكن أن يأتي يوم نسمي فيه أبناءنا ( كهيعص) او( المر) أو (ذو الكفل) او (لوط)؟؟؟
ربما لا… لكن يكفينا أن نعيد التفكير فالسؤال في ذاته عبادة والتفكر أول الطريق إلى الفهم….
تخيل عزيزي القارئ ان كل الكلام الجميل (دا ما موضوعنا)….
ولكن ما يدهشني أكثر، أننا لا نمارس هذا (الانتقاء) في الأسماء فقط بل في كل شئ تقريباً في الدين كما في الحياة نختار ما (يرضينا) وننكر ما (يُربكنا) نرفع من نشاء وننكر من يشبهنا في الضعف أو العجز…
في السودان مثلاً كم من( طه ويس و محمد) ملأوا السجلات لكن كم من (ذو الكفل)أو (لوط) او (صاد) او (المر) في بطاقاتنا؟؟
كما نختار من الأنبياء والآيات ما و من أحبه الناس نختار من المواقف ما يوافق هوى (جماعتنا) و من الحقائق ما لا يجرح (انتماءنا)
صرنا نعيش بين نصوص مقدسة لا نقرأها كما أُنزلت، بل كما نُحب أن تُقال نخشى أن نواجه المعنى إذا خالف المألوف و نستأنس بالاسم إذا حمل نغمة مألوفة على ألسنة الناس.
وربما لهذا السبب حين لبستُ الإحرام يوم الجمعة لم يرَ الناس فيه رمزاً للطهارة،
بل خروجاً عن المألوف، كما لم يروا في اسم (لوط) نبياً صبوراً قاوم القوم،
بل ظلاً لقصة أرعبتهم فقط
هكذا نحن…
نخشى الفكرة التي لا نملك لها سابقة، ونسخر من المختلف قبل أن نفهم قصده.
لكن الدين في جوهره لم يُنزل ليؤكد المألوف، بل ليوقظ النائمين في ظله.
فيا ليتنا نعيد قراءة أنفسنا كما نعيد قراءة القران
حرفًا بحرف، لا نغفل عن (طه) و(يس) ولا نهمل (كهيعص)و (المر)
ففي كل حرف معنى وفي كل اختلاف دعوة إلى الحياء من الله أولاً ثم من جهلنا به ثانياً.
سلام على من تأمل، وسلام على من سأل ولم يخشَ الإجابة …
اديس ابابا
28/10/2025
mtalab437@gmail.com

هشام احمد المصطفي(ابوهيام ) رئيس التحرير

من أبرز المنصات الإلكترونية المخصصة لنقل الأخبار وتقديم المحتوى الإعلامي المتنوع والشامل. تهدف هذه المنصة إلى توفير الأخبار الدقيقة والموثوقة للقراء في جميع أنحاء العالم العربي من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة والأساليب المبتكرة في عرض الأخبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى