الرأي والتحليل

وهج الفكرة.. د . أنس الماحي يكتب: بين سهام النقد المبكر وأحلام الخلاص الوطني ( رئيس الوزراء كامل ادريس)

منذ أن تم الإعلان عن تعيين الدكتور كامل الطيب إدريس رئيساً لوزراء السودان، انطلقت سهام النقد من كل حدب وصوب، وكأن الرجل قد أكمل دورته الحكومية ووقف أمام ميزان الحساب لا كأنه في أيامه الأولى يتلمس طريقه في حقل ألغام سياسي وأمني متشابك، ترن فيه طبول الحرب وتضج فيه أصوات الخصومة أكثر مما تسمع فيه نداءات الوطن.
● المفارقة المحزنة أن هذه الانتقادات لم تأتِ على خلفية قرارات اتخذها الرجل أو سياسات خاطئة انتهجها، بل جاءت مسبقة الدفع، جاهزة كقوالب الاتهام الجاهل، لا تستند إلى منطق، ولا ترتكز على واقع، ولا تصدر عن وطنية حقة. إنها أقرب ما تكون إلى محاكم تفتيش يختلط فيها الحقد الشخصي بالمكايدة السياسية، ويضيع فيها صوت العقل بين ضجيج الطموحات الصغيرة.
● فهل من المنطق أن نُحاكم رجلاً لم يُكمل أسبوعه الأول في منصب هو الأخطر في تاريخ البلاد الحديث؟ وهل من العدل أن يُساق إلى مذبح التقييم قبل أن يتسلم أدوات الحكم ..؟ إن الإنصاف يقتضي من الجميع – من الساسة والإعلاميين والمواطنين – أن ينتظروا ويُمهلوا لا أن يُعاجلوا ويُهملوا، وأن يدعموا لا أن يثبطوا خاصة في وقت يتعرض فيه الوطن لنكبات جسيمة لا يُحتمل معها التشرذم ولا يُغتفر فيها الغدر بالمرحلة.
● الدكتور كامل إدريس لم يأت إلى هذا المنصب بيدين فارغتين، ولا بظهر خاوٍ من التجربة. فهو رجل دولة خَبِر المحافل الدولية، وترك بصماته في أروقة المنظمات العالمية. يأتي إلى رئاسة الوزراء محملاً برصيد من الكفاءة والنزاهة ومسنوداً بإجماع إقليمي ودولي نادر، ومحتفظاً بعلاقات نافذة مع مؤسسات ذات تأثير مباشر في ملفات السودان المصيرية ، بل إن أولى خطواته العملية حملت إشارات لا تخفى على العيون المنصفة، فقد اختار أن يوجه مخصصاته المالية لأسر الشهداء، في خطوة رمزية عميقة المعنى، لم تُجبره عليها سلطة، ولم يُمليها عليه إعلام، وإنما فعلها لأن ضميره الوطني ألزمَه، وهي في حد ذاتها أبلغ من ألف تصريح.
● ولم يكن الرجل يتجول في موكب من الجهالات حين زار أحد الرموز الفنية الوطنية، بل كان في مهمة معنوية تتجاوز البروتوكولات الجامدة إلى التواصل الإنساني والوجداني مع من تبقى من رموز الصمود في وطن مثخن بالجراح. أليس هو الذي زاره قبلها قادة عسكريون ومدنيون؟ فلماذا إذًا تتحول زيارة مماثلة إلى ذريعة للنيل من رئيس الوزراء الجديد؟ إنها باختصار نوايا غير بريئة، وتحركات لا تستهدف سوى إحباط كل بارقة أمل يمكن أن تلوح في أفق هذا الوطن الجريح.
● علينا أن نعترف بأن الوطن ليس بحاجة اليوم إلى معارضة مجانية ولا إلى تفكيك كل محاولة بناء قبل أن تكتمل، بل هو في أمسّ الحاجة إلى اصطفاف وطني حقيقي، وإلى تنازلات مؤلمة لأجل بقاء الدولة ذاتها ، وإذا كان كامل إدريس يحمل مشروعاً للإنقاذ السياسي والاقتصادي، فلنمنحه الفرصة، ولنحاكمه بالأرقام بعد العمل لا بالتخرصات قبل الانطلاق.
● لا يُنتظر من رجل في منصب كهذا أن يصنع المعجزات في زمن قياسي، لكنه يستحق على الأقل منّا أن نمدّ له جسر الثقة، لا أن نحفر له هوّة السقوط ، فالانتقاد البناء مرحب به، أما الهدم المُمنهج، فهو خيانة للمرحلة، وطعنة في خاصرة الوطن ، فيا هداكم الله السودان يحتاج الآن الي رجال دولة لا مهرجين ومواقف مسؤولة لا شعارات غوغائية فلنكن على قدر اللحظة.

هشام احمد المصطفي(ابوهيام ) رئيس التحرير

من أبرز المنصات الإلكترونية المخصصة لنقل الأخبار وتقديم المحتوى الإعلامي المتنوع والشامل. تهدف هذه المنصة إلى توفير الأخبار الدقيقة والموثوقة للقراء في جميع أنحاء العالم العربي من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة والأساليب المبتكرة في عرض الأخبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى