
بلا إختلال
تضع حالة القبول الواسع لقرار تعيين إمرأة وخبرة مصرفية محافظا للبنك المركزي ، السيدة آمنة ميرغني حسن التوم الطويل أمام مسؤوليات جسام وتحديات عظام ، لتفي بالتطلعات ، والآمال معقودة على تجربتها وتدرجها المصرفي الذي يمنحها أحقية تولي المنصب المصرفي الأول ، وجملة معطيات تبشر بمرحلة مختلفة ، والبشارة قوامها عزم وإرادة لتبلغ درج العطاء والإنتاج الأول ، أنثوية المنصب وتعزيز دور المرأة يقع الآن على عاتق السيدة ونفسها الطويل ، وهذا تحدٍ خاص مهم ، أما العام ، مصرفيا تولت إدارة الموارد البشرية بالبنك المركزي في مرحلة من المراحل ، وعليه متاح أمامها قدرات العاملين حية لا من ملفات وتقارير صماء وميتة ، والإتاحة تمكن من التوظيف السليم لكل شيء ، والبعد والمعطي المعزز الأهم ، متلمس في إرتياح اتحاد المصارف وإدارات البنوك لتعيين السيدة آمنة ، للمعرفة بها وقدراتها من خلال لجان العمل المصرفية المشتركة على مدار السنيين ، ولا يلغي القرار ولا يستطيع بجرتي قلم وإمضائي الإعفاء والتعيين ، محو تجربة و تاريخ مصرفي طويل وعريض ومثير للجدل شخصيا وموضوعيا ، متمثلا في المحافظ السابق برعي الصديق ، المتقلد المسؤولية في أجواء محفوفة بمخاطر متعددة ومظاهر هشاشة الدولة حكومةً وتنظيما قبل سقوط نظام الإنقاذ في ( أخير ) صوره ، ولدى الإنتقال الخائب والمرتبك ، دعك من الحال المغني عن السؤال بعد إندلاع حرب التفاهات على الدولة الهشة والمواطن المغلوب على أمره ، وانتشار أمواج جديدة لصرعات توزيع الإتهامات و إغمارها لكل شيء بصورة للحقائق طامسة و مطمسة ، المحافظ السابق ينال حظ الأسد من الإتهامات بالتبعية لجنجويد مليشيا الدعم السريع تلميحا وتصريحا ، ومصادرها أحيانا سيادية ، ويعزز من إتهامات برعي الصديق لدى بعض ، استبطاؤه لعملية تغيير العملة خشية مغبات وتعقيدات وحسابات تكلفة فنية عالية للطباعة ، وحرصا على عدم الإضرار بمصالح الأموال المنوتة بأيادي المواطنيين ، والجهل بإحصائية الكتلتين النقديتين ، المنوتة بايدي الناس والأخرى المطبوعة والمحفوظة قيد التنويت لتدخل في الدورة النقدية المصرفية وابتلعتها أيادي النهابة ، مخاوف مشروعة والدنيا حرب شعواء وعشواء ، لكنها لدى البعص ذرائع لإطلاق الإتهامات ضد المحافظ برعي ومنسوبين لإدارته ، وذات الأجواء المتلبدة ازدادت سوءً بعد عمليات استبدال العملة ، بعد صبر طويل على الاتهامات بسر الإبقاء عمدا على كتل منها مقدرة ومجهولة بأيدي الدعامة ، ويزيد من الطين بلة مصاحبة إخفاقات ظاهرة وخفية لعملية الإستبدال ، و عدم تلمس آثار إيجابية بينة لعملية التغيير ، وكأنما المحافظ السابق برعي رمى بثالثة الأثافي ، فلا استمسك بأسباب عدم فائدة الأستبدال ورمى بالاستقالة ، لتبدو العملية رضوخا لا قناعة مصرفية ، رغم شخصيته المعتدة بعلميتها وتجربتها ، لم تتوفر له بيئة مناسبة لإدارة كتلة نقدية كما يشتهي معروضها يتوارى خجلا أمام المطلوبات وبعدها لا بد من إيفاء بالطبع أو الإستدانة ، كتلة نقدية شحيحة للصرف منها على المجهودين الحربي والمعيشي ، يعزز عدم إطلاق جيش الدولة طلقة الخراب والدمار الأولى ، حالة عدم الإستعداد الكافية للمعركة وإعداد ميزانية إحتياطية مسبقة لخوضها ، وأعتى الدول استقرارا اقتصاديا لا تقوى على إعلان خوض حرب دون الاحتساب بميزانية منفصلة ، هذا قول كل خبير ، ففي هذه الأجواء عمل المحافظ السابق برعي واجتهد في امتصاص الصدمة الأولى ، واستجماع قوى الجهاز المصرفي القائم حتى اليوم ، مقاوما مع الدوائر الأخرى شبح الإنهيار الكامل وبلوغ قيمة العملة الصفرية ، ولم تعن كثرة أسباب الخراب لتكتمل عملية الإمتصاص ، ولم تفد السيد برعي خبراته ولا مزاياه ولا بنوته للبنك الأم ، وحقبته جديرة بالتأسيس عليها مع إخضاعها لتقويم مهني يحفظ له حق الاجتهاد وإصابة قدر من النجاح ، وكنت شخصيا من الداعمين لتطبيق رؤاه إثر جلسات استماع ومعاصفة ذهنية ، ثم أحجمت لعدم تلمس نتائج إيجابية لا يمكنه التوصل إليها وحيدا ، فضلا عن بقاء الأجواء السالبة تلك من حوله ، واستمرار الحرب يتطلب حاويا بالسحر أو بالبركات لإدارة كتل نقدية بلا تغطيات لها موجودة أو موعودة وبلا ميزان تجاري مختل.
بلا قروب
والمنتظر من السيدة آمنة الطويل تمتين أدوات التواصل والإنسجام مع الشركاء ، فالمعرفية والخبروية وحدها لا تكفي ولا السيد برعي منقوص عن التوأمين ، وأخطر ما نلحظه كمراقبين تعدد صناع القرار كما انتاج المحتوى الصحفي والإعلامي ، في جلسة سابقة مع الأخ برعي في معية عدد من الزملاء ، هالني اهتمامه ببعض قروبات الواتساب وعضويتها المنتمى لها ، ورددت ذلك لإفادة الأدمنات للأعضاء منفردين أن بالمجموعة فلان وعلان من رجال السلطة وأصحاب القرار بأرقام وأسماء أخرى ، وساورني احساس بأن المحافظ أسير ما يرد في هذا القروب أو ذاك ، ويصرف وقتا في المتابعة خاصة في حالة تدوير من بعض الأعضاء له ولغيره من المسؤولين في قروبات بعينها ، حتى يتخذونها مرجعية وليس من قروب يمثل كل الآراء ، مطلوب تلمس المسؤول آراء الآخرين في حدود المعقول ، ودون التوهان في قروب واتساب واحد أو أثنين خشية وجود عمك هذا أو إرضاء ذاك ، ففي تلك الجلسة ظننت السيد المحافظ الموقر يدير البنك المركزي من القروب ويصرف وقتا وجهدا في الردود بالأصالة وغالبا بالإنابة ، دائرة لا بد لكل مسؤول يخرج عنها ، حتى لا يتشوشر بجملة من الآراء والأفكار والتوجيهات والنقديات ، ويصبح أسيرا لإدارة مجموعات بعيدا عن قوام إدارته الأصيلة ، يمكن الأستفادة برصد أهم الآراء عن طريق آخر ، ومن ثم الدفع بما يستحق منها للدراسة ، تجنبا لاتخاذها ادارات موازية ، قد تكون السيدة آمنة الطويل على علم بهذا وقد توافق أو تخالف ، ولكن المراد الإبتعاد بإدارتها عن المؤثرات الخارجية غير الملمة بميدان البنك ، والإحتكام لأصول العمل المصرفي ، والإحتساب للظروف والأجواء التي أثرت في أداء الإدارة السابقة بقيادة برعي والذي أقدر له شخصيا احترامه للإعلام مع صرامة مطلوبة ، و لازالت المعوقات فينا قائمة ومشتدة وتتطلب نظرات للمعالجات لا اللعنات ، وبيد السيدة المحافظة المستبشر بها خيرا ، تجربة ثرة وغنية تستحق النظر للأخذ مما فيها من عوامل النجاح ، وتفادي أسباب الفشل التي لا يتحملها في مثل هذا الأوضاع منفردا المحافظ أي محافظ ولا البنك والاقتصادين الريعي والخدمي يطغيان على الإنتاجي والتشغيلي القادرين على إسترداد عافية الأقتصاد مالا ونقدا ، وضخ العافية في قيمة العملة الوطنية حتى تصبح رمزيتها تعبيرا حقيقيا عن الموارد والثروات التي تتوافر عليها أرض الميعاد . فلتستغل السيدة آمنة حالة الترحاب والاستقبال الواسعة والتفاؤل بتوليها المنصب الكبير ، وتتخذ منها منصة إنطلاق لوضع سياسات مصرفية جمعية عن معاينات ميدانية غير مغفلة الظروف المحيطة ، وتنجح السيدة آمنة الطويل بقدر الإبتعاد عن اقتصاد السياسة والطبع لسد النقص والتعامل بواقعية مع اقتصاد معجز وعاجز ، تعافيه ليس بيد البنك المركزي منفردا بل فب إنهاء الصراع لإدارته ، و ملف الإعلام عن مجريات الأمور ، يستلزم خروج منتظم للمحافظ على فترات معقولة للتصريح ، فلسنا في دولة مستقرة يطل محافظ بنكها المركزي مرة كل عام أو لا يطل.. ليته قريبا حالنا، وبالتوفيق السيدة آمنة الطويل.



