
طوق النجاة
لم تنجن مهنية أدعيها من الوقوع في أفخاخ الإتهامات مع حرص على الممارسة الصحفسية المستقلة عن هذا وذاك، والاستقلالية المطلقة صعبة والسودانية حالة خاصة، وتوزيع الاتهامات تشغيلة وتوظيفة، و كما لم تمنع عني استقلاليتي اتهام جهاز الأمن السياسيي في سنوات الإنقاذ الخوالي؛ بالطابورية الخامسة لحركة العدل والمساواة السودانية بقيادة الدكتور خليل إبراهيم رحمه الله، ومساندتها من الداخل في هجومها المشهود على مدينة أمدرمان نهارا جهارا مستهدفة هد عروش مقار سيطرة الإنقاذ ، إذ أفادني المحقق الأمني عن ورود إسمي في قائمة بين متعلقات سليمان صندل ، ولا أدري كيف عثروا عليها والمذكور ممن قفلوا راجعين من بعد فشل الهجوم ، والتفاصيل في سلسلة مقالات تحت عنونة من بيت الحبس، مدونة اسفيريا من زمن قفلة كاورونا التي لم نشتم بعدها نسم عافية ولا راحة بال، ومرد الاتهام كما أتصور علاقات تواصل صحفية مع قيادات الحركة الميدانية والسياسية، إتصالات للحصول على المعلومات والأخبار من الميدان، ومن مصادري الميدانية الباشمهندس أبوبكر حامد نائب رئيس حركة العدل والمساواة وأحد الفاعلين المهمين في اللجنة القومية لفك الحصار عن الفاشر ، وما ظننت تلاقيا معه وتواصل مباشر يتجاوز الحوار عبر الثريات الهواتف ذات الأرقام الموحية بطول المسافات، فاذ بالأيام تجمعنا وجها لوجه قبيل أيام بعيدا عن الأهل والديار ، وفي غرارة معرفتنا وقرارة النفس تمنيت ملاقاة عديد الأسماء من منسوبي الحركة وقياداتها الميدانية خاصة الشابة ويرن في الأذن منها دلدوم ومالك تيراب، ولكنها توارت عن دنيا الوجود دفاعا وايمانا بقضايا العدل والمساواة بنظرة كلية وبشمول في التناول والحلول.
ولم التق بأي من قيادات الحركة الفاعلة في عز تمردها، لكن تطور التواصل على صعوبته التقنية والأمنية لعلاقة صداقة عن بعد ملؤها التقدير والإحترام والرغبة في إفشاء السلام بلا ضرر ولا ضرار ، وأبناء دارفور صادقين في علاقاتهم الإنسانية وودودين تجاه الآخرين، ويتحلون بالظرف وروح الدعابة والصلابة، وإني أشهد للمهندس أبوبكر حامد القيادي التاريخي بالحركة، بالتحلي بصفات ابن بلدنا الأصيل وبالأدب الجم وتواضع العالم وهو خريج أعرق جامعتنا ومدارسنا السياسية في كلية الهندسة، وصاحب المواقف الواضحة والمتأهب الآن لأداء مهام وأدوار بعباءات البلد والحركة واللجنة القومية لفك الحصار عن الفاشر التي يعني صمودها ما يعني وسقوطها ، هي ملتقى جامع للسودانيين وحامي جغرافي للعمق من الإنهيار من جهتها بلا حواجز وموانع، فلذا يستبسل كل أبناء البلد عسكريين ومدنيين بداخلها وبدعم من هم في خارجها، في الدفاع عنها، مسطرين حال انفكاك الحصار وأزمة المدينة رواية إحتمال مدينة للحصار الإخطبوط والإبقاء على وطن بحجم الآمال العراض.
أول حب
الباشمهندس أبوبكر حامد يتحدث عن الفاشر كأول حالة حب في حياته بفخر وامتنان، منتقلا إليها من قريته طلبا للعلم قاطعا يوميا مسافة تزداد مع تقدمه في المراحل الدراسية، حتى بلغت الألف وخمسمائة كيلو مترا عملا بوصية النبي بطلب العلم ولو في الصين كرمز وليس بلد حضا لأمثال أبوبكر ولو في الخرطوم البعيدة عن فاشر السلطان ، المدينة معمقة القومية في روح الطالب وفيها تواقع عيناه وجوه كل السحنات ، وبابتسام واسع الأبعاد ، يقص المهندس أبوبكر حكايته مع رأس النيفة بسبب تنوع المسميات من منطقة لأخرى بين المتعايشين داخل المدينة، دخل وزملاؤه الثلاث القرويون وهم طلاب أساس ، مطعما بالفاشر وقرأوا بين الأصناف الباسم وأعجبهم المسمى، فطقطقوا كما يفعل الزبائن للجرسون طالبين ثلاثة بواسم، ولم يقبلوا تبرع الجرسون بإثنائهم عن طلب ثلاثة بحسبان واحد يكفي وبامكانهم طلب صنف آخر ، فهبوا فيه متمردين ومستنكرين إستصغارهم والإيحاء بعدم القدرة على السداد، فانصرف عنهم وجاءهم بالثلاثة رؤوس نيفة ليهبوا فيه تارة أخرى صائحين ما هذا يا رجل آمرينه بحمل النيف من حيث أتى ، ويضحك المهندس محدثنا، نحن مجموعة زملاء في جلسة مؤانسة بالعاصمة المصرية وقد أتاها أينا لغرض يقضاه ويصيبه وبعضهم يجهل وجهته، ويعترف الباشمهندس بخطئهم بطلب شيء لم يسمعوا به ولم يسألوا ويستفسروا عنه بسبب الإعتداد بالنفس، ذلك أن الجرسون لما حاول منعهم من الأقدام على طلب الثلاثة قرعوه دون استعداد لفهم سبب موقفه ، فكم أخي أبوبكر يا ترى بيننا من سياسيين وصحفيين وسودانيين يطلبون ما لا يفقهون وغير مستعدين ليفهمون !.
حقيبة المناصب
المهندس أبوبكر حامد يعزز من مواقفه الأصيلة والإنقاذ قائمة؛ إذ دخل يوما الخرطوم غير غازٍ طلبا للسلام، أو تذكرون أو لا تذكرون وصوله شبه المفاجئ ورفيقه سليمان جاموس للخرطوم بعلم سلطاتها وليس كما في المرة الأولى متسللين أو منيبين عنهم للهجوم على ولاية الخرطوم من جهة أمدرمان للإستعصاء من قبالة الشرق لسبب وآخر ، يقول المهندس أبوبكر جئت وجاموس بدون خطة وباتفاق مع قيادات الحركة بأهمية الخطوة ووجودهم داخل الخرطوم غير متآمرين بل لاختبار مدى الإرادة والجدية في تحقيق السلام واثقين من عدم تعرضهم لمكروه لعلانية خطوتهم ومعرفة قيادات أفريقية بها ، ويبدي حامد أسفا وقد وصلهم وفدا أمنيا بادر بزيارتهم في مقر الإقامة، محملا بحقيبة المناصب المعدة للتوزيع والتسكيت؛ رفضوا العرض والحوار مع الوفد الأمني بحسبان أن القضية سياسية شاملة، ولكنهم آثروا البقاء والاستمرار في تلمس الجدية مع الإشارة لرفقائهم بالمضي في عملهم الميدانى حتى حين جدية، وطال حين الترقب والإنتظار دون أن يظفر حامد ولا جاموس بالمراد وعود النوارس حلم أبوذر غفارينا غير المتحقق، وطال حتى سقوط النظام، ولكن مكنتهم خطوتهم تلك من الإسهام الفاعل في الدفع بالحركات صوب المشاركة والتوقيع على اتفاق جوبا للسلام دعما لثورة الشارع والناس ، الإتفاف المتعثر في تنفيذ أهم بنوده الترتيبات الأمنية ، ولو تم التنفيذ قبل قيامة الحرب لربما كان الوضع مختلفا ولكن ! التجربة الأكاديمية والسياسية والميدانية المسلحة الطويلة والإنسانية الأصيلة تدفع بالمهندس أبوبكر حامد قبالة الحلول القومية لإنهاء حصار مدينة الفاشر ولمواجهة جملة من التحديات والتعقيدات الأخطر من الحرب، ويمتاز الباشمهندس بأهم الصفات، إجادة الإنصات للآخرين والاستماع لرؤاهم دون مقاطعة أو إنشغال، ويهمه الآن كقيادي رفيع بواحدة من أكبر الحركات ، رفع الحصار عن الفاشر التي يعني سقوطها بداية سيناريو الرعب ، والسعي للرفع لا بد من تزامنه واقترانه بخطوات سياسية ومجتمعية عالية المستوى ، يبحث الباشمهندس عن توجه قومي ملهم تحتمه ضرورات ومخاطر اللحظة، معين على العبوي للرحاب السوداني المفقود.



