
“الليل حالك، والصمت مخيم، كأن المدينة قد أغلقت عينيها على حزنٍ ثقيل.. لا صوت إلا همسات الريح، ولا نور إلا بقايا قمر خجول يراقب المشهد من بعيد.
دنقلا غارقة في ظلامٍ فرضه العدو، وقلوب أهلها تتلهف انتظارًا للحظة الانفراج، الثلاجات فارغة، الأنفاس تختنق من حرارة الصيف، والعيون تترقب ذلك النور الذي طال غيابه.
في هذا الشهر الفضيل، حيث ترتفع الحاجة إلى الثلاجات لحفظ الطعام والمياه، وحيث المرضى يعانون تحت وطأة الحرارة اللاهبة، كانت المدينة تصارع صبرها، وتنتظر بشغف لحظة الانفراج، أهل دنقلا ليسوا غرباء عن الصبر، لكنه هذه المرة كان امتحانًا فوق الاحتمال، فقد طالت العتمة، واشتدت الحاجة، ولم يكن في اليد حيلة إلا الدعاء وانتظار الفرج.
وأخيرًا، بعد طول انتظار، لمع في الأفق نور الكهرباء، وكأنه فجرٌ جديد يُبعث من بين رماد الظلام، لحظة تاريخية، ارتفعت فيها أصوات الفرحة، وتعالت الزغاريد، بينما كان الأطفال يركضون فرحين، يرددون ببراءتهم الطفولية: “الكهرباء جات.. أملوو الباقات في الثلاجات!”.
على الهامش!!
“ليس أشد إيلامًا من انقطاع النور، إلا انقطاع الأمل، لكن أهل دنقلا صبروا، فكان النور جزاءً لصبرهم.”
وهكذا، عادت الكهرباء، وعادت الحياة إلى المدينة، لكن الأثر الذي تركته هذه الأزمة سيبقى شاهدًا على صمود الناس، وعلى أن النور لا يُطفأ مهما طال ليل الظلم، وأن “بعد العسر يسرا، وبعد الظلام الدامس نورا.”