
حرب الخامس عشر من أبريل لم تكشف أن الانهيار ضرب عمق الخدمة المدنية وحدها وإنما طال حتى الأجهزة النظامية رغماً عن ميزانياتها المفتوحة. مهما كان من أمر، وفي ظل انقسام سياسي معلوم صدّق حميدتي أن فرصته مؤاتية لانقلاب خاطف يقضي فيه على غريمه البرهان ويستلم السلطة. بفشل مغامرة غير محسوبة وجد السودانيون أنفسهم أمام حرب حتى جيشهم غير جاهز لحمايتهم.
في ظل الانهيار الشامل والغدر الذي تعرض له الوطن بما ذلك مؤسسة الجيش، ورغماً عن أن هذه المؤسسة كانت خاسرة للحرب بنسبة لا تقل عن 90% إلا أن الجيش أعاد تنظيم صفوفه، وتفوق بكل الموازين، على تمرد غادر حاصر ضباطه وضباط صفه وجنوده، فلم يجدوا من بد غير أن يضطلعوا بواجبهم الوطني مضحين ومجبرين قوات الدعم السريع لتتهاوى بعد أن كانت تتحكم بمعظم مدن وقرى السودان. الهزيمة النكراء، والتي كان قد تعرض لها الجيش، في بادئ الأمر، ما كان له أن يتحول لحالة انتصار لولا قناعة معظم السودانيين بأن ما ارتكبته مليشيا آل دقلو من جرائم ليس إلا تأكيد على عدم أهليتها وداعميها ليحكموا هذا الشعب مهما كان الثمن. استمساك الشعب بكيان دولته، رغماً عن علات المؤسسات، أجبر حتى المجتمع الإقليمي والدولي للحفاظ على وحدة أراضي السودان وعدم الاعتراف بمليشيا أثبتت، وبما لا يدع مجالاً للشك، أنها مجموعة بربرية لا تشبه السودانيين ولا يجوز أن تكون جزءاً من مؤسسات دولة وشعب لهم تاريخهم وحضارتهم الراسخة.
سواء بالتقدم الملحوظ الذي أحرزه الجيش أو المساعي الإقليمية والدولية، فكل المؤشرات تذهب إلى أن الحرب ستتوقف. هذه الخطوة وإن تأخرت كثيراً إلا أنها تظل، بحد ذاتها هدفاً مطلوباً. فالثابت، ورغماً عن الظروف التي نشأت فيها الحرب، أن الجيش حقق انتصاراً مهماً وتلاحماً شعبياً فوت فرصة تمزيق السودان وتفتيت شعبه ووحدة أراضيه. هذا الشعب سواءً بمكونه المدني أو العسكري، وبعد كل هذه التضحيات، يتوق لمستقبل جديد واستقرار مستحق. هذا الحلم سيتحقق غير منقوص عندما تتوقف الحرب في النفوس قبل فوهات البنادق. الوصفة التي توقف الحروب تصبح حقيقة عندما يدرك السودانيون أن مصلحتهم في تجاوز خلافاتهم واعتمادهم على أنفسهم بلا سماح لأي جهة أن تتدخل في شأنهم الداخلي. بالمقال القادم سنناقش كيف يمكن للسودانيين أن ينهوا حالة الحروب ويدخلوا في السلم كافة، ونواصل.
الخرطوم 17 أكتوبر 2025



