
مهما كانت الدوافع السياسية والأخلاقية، وبغض النظر عن صحة أو ضعف الوضع القانوني للقضية التي أقامتها حكومة السودان أمام محكمة العدل الدولية، فإن مبدأ عدم التأثير على سير العدالة يحظر على الدكتور نصر الدين عبد الباري أن يلغ، في هذا التوقيت، في أي تحليل أو رؤية فقهية لمسألة تعتبر موضوع نزاع جوهري ومباشر وأمام محكمة لها ولاية النظر في نزاع قانوني يمكن أن ينتهي للحكم بقبول الاختصاص والسير في تفاصيل الخصومة.
بغض النظر عما ستنتهي إليه محكمة العدل الدولية، فالحكم لن يغير في واقع جرائم القتل والاغتصاب والنهب الواسعة النطاق تم ارتكابها بحق قبيلة المساليت. فالحقيقة الثابتة أن انتهاكات ممنهجة طالت قطاعات عريضة من الشعب السوداني قتلاً ونهباً وتشريداً. المعلوم أن د. نصر الدين عبد الباري، ومنذ بداية هذه الحرب، كان قد اتخذ موقفاً منحازاً لقوات الدعم السريع. ذات الوزير لم يقف عند حد الانحياز بل انتهى به الأمر لينخرط منظراً لتحالف نيروبي بين كل من مليشيا آل دقلو وحركة عبد العزيز الحلو. مقال د. نصر الدين عبد الباري، في سياقه القانوني وظرفه التاريخي، وقع في ذات فخ التوالي السياسي غير المتجرد. فالقوات التي يناصرها د. عبد الباري تمثل المتهم بمباشرة الجرم كفاعل أصلي وليست مجرد شريك أو محرض مستتر أو غير معلوم. فات على د. عبد الباري أن هذه الاتهامات حتى وإن خلصت المحكمة لعدم ضلوع أو تقرير مسؤولية أي طرف ثالث بشأنها، فالنتيجة لا تعني عدم وقوع الجرم في حق الضحايا.
مرافعة د. عبد الباري المتزامنة مع حيثيات القضية لم تضل السبيل وحسب، وإنما كشفت عن دفاع من يريد نفي المسؤولية حتى عن الفاعل الأصلي. المؤسف أن د. عبد الباري، ومن موقعه كوزير عدل سابق لحكومة ضمت أطراف الحرب لا يجوز له، في سياق هذا النزاع القضائي، أن يرفضه بحجة شخص الشاكي. الفظاعات التي طالت شعب بأكمله مسألة لا تحتمل التبرير ممن يفترض فيه التصدي دفاعاً عن حقوق المواطنين العزل. واضح أن د. عبد الباري لا يدرك أن العلاقة بين السودان والإمارات ليست بحاجة للاصطياد في الماء العكر بقدرما الشجاعة في مناقشة أسباب الولوج في نفق سيزداد ظلاماً بتأجيج هذه الفتنة.
الخرطوم
11 أبريل 2025