
تطالعون هذه السطور في وقت تكون عهدة معتمدية اللاجئين برئاسة المعتمد السابق علي موسى عطرون ونائبه الفرشة مجيب الرحمن وزملائهم قد أوفت بوعدها لحقوق عاملين طالهم التخفيض، علما بأن المخفضين هم على وظائف المشروعات وليس الفصل الأول لأن المشروعات مربوطة بميزانيات سنوية حسب خطط التمويل من المانحين، وبأسباب ظروف الحرب ونداءات المندوب السامي بضرورة العمل بهياكل رشيقة وليست مكلفة ماليا .
وعندما بدأت عملية التخفيض أذكر أن هنالك حملة شعواء قد أستعرت في وجه إدارة “عطرون” ونائبه وزملائه، وطالهم رزاز من الحديث واتهامات باطلة، ابرزها ان التخفيض تم على أساس جهة، وأنه حملة سياسية، ضد آخرين، تم فيها حشد الكثير من النعوت والألفاظ المحفوظة، لكن كان رد الإدارة دائما انها أجرت عملية التخفيض وفقا لحيثيات مهنية حتمية، وضرورات مرحلة، وأنها ملتزمة بحفظ حقوق العاملين، وكثيرا ما سخر الكثير ممن تم استكتابهم في هذا الأمر في قدرة الإدارة من اقناع الجهات المانحة الايفاء بالحقوق المالية للهيكلة.. لكن في النهاية انتصرت إرادة العمل والأداء، لا الظنون والأوهام.
ومن عجب فإن المجموعة التي كانت تحارب وتسوق الحملات الإعلامية ضد المعتمد ورفاقه وزملائه من معتمدية اللاجئين تنطلق من منصة كلفت المعتمدية خسائر بالآف الدولارات، في عملية تخفيض مشابهة، وباتت الإدارة الآن تحت التهديد ببيع أصولها للإيفاء بحقوق أربعمائة معلم تم تخفيضهم تعسفيا، في عملية افتقرت للقانون والقدرات الإدارية، وتمت بجهل وعدم وعي بحقوق المخفضين وليس كما حفظت وأحتفظت عهدة “عطرون” بحقوق العاملين البالغة مليون ونصف المليون دولار هاهم يتسلمونها الآن، فشتان ما بين القمح والزوان.
أن عهدة “عطرون” لقيت مضايقات كبيرة، خاصة من وزارة الداخلية وموظفين في الإدارة محسوبين عليها، ووضعت أمامها أرتالا من العوائق، وهي بخبرتها أجتازت ضفة النهر، وواجهت إبتزاز، وأشهروا في وجهها كرت نفوذ من سلطة وزارة الداخلية، لكنها ظلت ثابتة تعمل بجد واجتهاد كبير، وهي الفترة الأكثر حضورا في تجاوز محنة الحرب، على المؤسسة الأهم لقضايا اللجوء واللاجئين، لقد وصل الأمر لتفريق أفرادها واحدا تلو الآخر من المعتمد نفسه ونائبه، بتبريرات واهية وأسباب بأبعاد شخصية، تنضح بالعداء والملاحقة رغم هذه الإنجازات الضخمة .
مقارنة مع فترة مثلت عبئا على معتمدية اللاجئين، وتاريخها الطويل من الخبرات الإدارية.. فترة افتقرت فيها الإدارة لأدنى معايير المصداقية، ودخلت في أكبر عمليات التخبط في اتخاذ القرارات غير المتوافقة مع القوانين، وشوشت على شركاء المعتمدية الدوليين، من المانحين والجهات الداعمة التي ترى في إدارة السودان، أحد أهم نقاط الضوء في عمل اللجوء في الإقليم والعالم، راينا فيها ما راينا من شذوذ الأفكار والمقترحات الإدارية، والأخطاء المركبة التي اثبتت عدم الوعي والمعرفة بحق اللجوء وقوانينه وعمل المعتمدية، فانتهى كل ذلك لمحض صياح، وصراخ، وتراجع مخجل من كل القرارات التي تم اتخاذها، بينما جاء صرف الحقوق المالية للهيكلة مثل الماء البارد على عاملين طالما شككوا في حصولهم على هذه الحقوق بسبب الإدارة غير الرشيدة في أزمانهم، ومخاوفهم من عمليات مشابهة تمت مع رصفائهم في اوقات سابقة كما أسلفنا.
صحيح أن المعتمد السابق بات زاهدا في خوض التجربة مرة أخرى، لكن هنالك من تم ابعادهم بأسباب يجب النظر حولها الآن، ويجب أن يتقدموا الصفوف سريعا لما ظلوا يقدمونه من جهد وعمل وسياسات تجاه ملف اللجوء بكل معاملاته من لاجئين ومجتمعات مضيفة ومنظمات، لقد ظلوا يديرون هذا الملف بهندسة فائقة، وبراعة المخلص في عمله، وصنعوا على مر فترتهم في القيادة ما عجزت عنه كل الإدارات السابقة، في النزاهة، والشفافية، في المعتمدية التي طالما ظلت تواجه على الدوام انتقادات في المسائل المالية.
لقد أظهرت الإدارة السابقة قدرات مذهلة على الانتقال من مرحلة الحرب والدمار التي طالت معظم مكاتب وإدارات المعتمدية، إلى التأسيس من جديد، في فترة كادت فيها هذه الإدارة أن تكون أو لا تكون، إدارة جديرة باستحقاق الاستمرار لا وضع معاول الهدم في طريقها، يتوق لرؤيتها من جديد كل الحقل الإنساني بما فيه قيادة الدولة ومنظمات الأمم المتحدة العاملة في المجال، وزملاء وزميلات العمل الذين أرهقتهم هذه الفترة العصيبة من عمر الإدارة وظلوا يتوقون للخلاص من ربقة سيف النفوذ المسلط على رقابهم ليتنفسوا الصعداء.