
الحياة ما هي إلا محطات، وبين كل محطة وأخرى يقف الإنسان متأملًا، يراجع حساباته، ويفكر في وجهته القادمة. وهكذا كانت رحلة أخي وصديقي العزيز، عبدالله أحمد محمد جرامي، الذي قرر أن يترك عالم الأضواء والأنغام، ليخطو بثبات نحو طريق النور والهداية.
خمسة وعشرون عامًا من العزف والموسيقى، سنوات من الشغف والتجربة، ولكن رغم كل ذلك، كان هناك نداء داخلي أقوى، دعوة صادقة من القلب إلى القلب، تأمل عميق في مسيرة الحياة، انتهى بقناعة راسخة أن السعادة الحقيقية ليست فيما نملكه أو نقدمه للناس، بل فيما نقدمه لأنفسنا في طريق القرب من الله.
بكلمات ملؤها الصدق والإيمان، أعلن عبدالله جرامي قراره باعتزال العزف والموسيقى، ليس ترددًا ولا تراجعًا، بل انطلاقة جديدة نحو ما وجد فيه راحة قلبه وطمأنينة روحه. كان هذا القرار خلاصة رحلة طويلة من التفكير، وإجابة لدعوات خفية تسكن الأعماق، تلك الدعوات التي لا يسمعها إلا من أخلص النية وسأل الله الهداية بصدق.
في لحظة صادقة، وقف أمام نفسه، متجردًا من كل التصورات، متسائلًا: ماذا بعد؟ كيف ستكون الخاتمة؟ وأين تكمن الطمأنينة الحقيقية؟ وجاء الجواب من أعماق قلبه، بأن الطريق إلى الله هو الطريق الذي لا نهاية لنوره، ولا حد لرحمته. وهكذا، اختار أن يودع الماضي بشكر وامتنان، وأن يبدأ صفحة جديدة بيضاء، يكتب فيها قصة مختلفة، عنوانها الإيمان، ومضمونها السكينة واليقين.
لم يكن هذا القرار مجرد تغيير في المسار المهني، بل كان تحولًا جوهريًا في الروح والفكر، ورحلة مباركة نحو ما هو أسمى وأبقى. وهو اليوم، كأستاذ محاضر في كلية الإعلام بجامعة غرب كردفان ، ورئيس لقسم الإذاعة والتلفزيون، يحمل رسالة جديدة، رسالة تنوير العقول، ونشر القيم، والمساهمة في بناء جيل يدرك قيمة النور الذي يهدي القلوب.
عبدالله جرامي لم يترك الفن، لكنه اختار أن يسمو به نحو غاية أرقى، فالموسيقى تنتهي بانتهاء اللحن، لكن الأثر الطيب يبقى خالدًا في القلوب. اختار أن يكون صوته معبرًا عن الحقيقة، وكلماته شاهدًا على مرحلة جديدة من حياته، عنوانها “اللهم نسألك الثبات”.
إنه جهاد النفس، والعودة إلى الله، والتخلي عن كل ما قد يعيق الروح عن السمو. وهو درس لنا جميعًا، أن نراجع أنفسنا، ونتساءل: هل نحن في الطريق الصحيح؟ وهل قلوبنا تجد السكينة فيما نحن عليه؟ فإن كان الجواب لا، فليس هناك أجمل من لحظة قرار صادق تعيد ترتيب الأولويات، وتجعلنا نخطو بثبات نحو النور.
نسأل الله أن يثبت أخي عبدالله على طريق الحق، وأن يجعل خطواته مباركة، وينير له دربه الجديد بالإيمان واليقين. وما أجمل أن تكون النهاية بداية جديدة، فيها من الطمأنينة ما يعوض عن كل شيء.
اللهم اجعل لنا من نورك هداية، ومن رحمتك سكينة، وثبتنا على طريق الحق حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا.
الجمعة: 28 رمضان 1446ه