
كشفت مشاركة الهلال الأخيرة في دوري أبطال أفريقيا والدوري الموريتاني عن خلل عميق في المشهد الإعلامي الرياضي بالسودان، يتمثل في قلة عدد الصحفيين المهنيين الذين يُميزون بين النقد الموضوعي والانتماء العاطفي.
لقد أصبح النقد الرياضي، في السنوات الأخيرة، أداة للتشجيع المفرط، بل إن كثيراً من المشجعين تسللوا إلى الصفوف الأمامية للصحافة، خاصة في أعمدة الرأي، ليتحولوا إلى أبواق تعصبية تمارس التجييش بدلا عن التنوير. والمقلق أن بعض خريجي كليات الإعلام انجروا بدورهم إلى هذا النمط، وانخرطوا في “صحافة المشجعين”، حتى وإن كانوا من الأسماء المعروفة، فمارسوا التضليل والتدليس والنفاق.
الهلال، كنادٍ، كان ضحية لهذا التدهور، إذ تعرض لحملات منظمة للنيل من استقراره وسمعته. أشاعت بعض الأقلام المغرضة الأكاذيب، وروّجت للفبركات، ولم تتورع عن السخرية والتشفي، بل وصلت إلى درجة الشخصنة وكأنها تصفية حسابات لا علاقة لها بالكرة أو الرياضة.
الفرق بين الصحفي المهني والصحفي المتعصب يتجلى في زاوية المعالجة ومضمون الطرح. فالنقد المهني لا يعني المدح المطلق ولا الهجوم المجاني، بل ينطلق من احترام الذات، واحترام القارئ، والكيانات، ويستند إلى قيم مهنية أرساها رواد الصحافة الرياضية في السودان: عمر عبد التام، حسن مختار، أحمد محمد الحسن، حسن عزالدين، وعبد المجيد عبد الرازق، رحمهم الله جميعاً.
لحسن الحظ، لا تزال هناك أصوات تحترم المهنة، من الجيل الذي تربى على الرصانة والانضباط. أقلام تُمارس النقد بلغة مهذبة، قوية ولكن خالية من التجريح أو التصنيف. هذا هو النموذج الذي ينبغي أن يُحتذى، لا ما نراه من انفلات وتسيّب عبر صفحات وهمية ومواقع تحترف الشتائم وتعتقد أنها تمارس “النقد الرياضي”.
بعد خسارة الهلال أمام الأهلي المصري، تعالت الأصوات المطالبة بإقالة المدرب فلوران، رغم أنه لم يكمل عقده بعد. هنا يجب أن نتوقف عند تجربة الأهلي مع المدرب الأسطوري المجري هيدكوتي، الذي ظل مع الفريق لسبع سنوات، واجه خلالها تمردا من بعض النجوم، فلجأ إلى الناشئين أمثال الخطيب، مصطفى عبده، مصطفى يونس، مختار مختار، شطة، وقاد الفريق إلى التتويج بالدوري. يومها كتبت الصحف المصرية بالبنط العريض : الأهلي بطلاً للدوري بطلاب المدارس.
فلماذا لا نصبر على مشروع فني؟ لماذا نغيّر المدربين كل موسم، بل أحياناً كل ستة أشهر؟ أين الاستقرار الذي يمثل أساس الجودة الفنية؟
غداً نفتح صفحة إدارة الهلال…