
عند منتصف مارس الماضي تسلم المدير العام الحالي لهيئة الموانيء البحرية مهندس مستشار جيلاني محمد جيلاني موقعه من سلفه عصام الدين حسابو الذي جاء لفترة وجيزة (كعادته) لبضع أشهر عقب الفترة الصاخبة للمدير الأسبق الكابتن محمد حسن مختار، التي تخللتها تداعيات المهملات والاحتجاجات وصيانة “الطقات والكرينات ” وما شابها من جدل واسع..!
وفي غضون الأشهر الأربعة المنصرمة من عهدة جيلاني، يبدو أن الخطة كانت تحقيق الاستقرار لأكبر الهيئات الاقتصادية بالبلاد، التي تتبع فنيا لوزارة النقل وإداريا لوزارة المالية، والتي يعول عليها في حماية الاقتصاد من الانهيار بتطوير حركة الصادرات والواردات والدفع بكفاءة إدارية من خلاصة العمق المينائي تعمل بهدوء بعيدا عن الضجيج الإعلامي قريبا من ميدان العمل حيث (الماعون البحري، والرصيف، والكرين، المخزن)..!
إذن الخطة التطويرية للموانيء: مواعين بحرية معدة للبضائع والمنتجات بصورة ممتازة، وبناء وتشييد الأرصفة لمرابط الميناء، آليات ومعدات مواكبة، يقوم بتشغيلها كادر متدرب وبدرجة أمان عالية، لتتعامل يوميا مع بواخر أجنبية مستوفية للمعايير العالمية، لينخفض” النولون البحري” مما ينعكس على قيمة البضائع وعلى الاقتصاد القومي عموما..
المطلوبات أعلاه تنهي معاناة الميناء مع نقص الآليات وتدني معدلات سحب وتخليص الحاويات، وازدياد فترة بقاء الحاويات المتداولة الصادرة والواردة، بجانب زيادة زمن انتظار السفن الناتج عن نقص الآليات والترحيل إلى مناطق الكشف الجمركي، والحقيقة أن الموانيء شهدت في العامين الماضيين طفرة في الرافعات والآليات، بينما أثراستهداف المليشيا المتمردة لمناطق الإنتاج على انخفاض مستوى الصادر وبفضل الله ستكون الانتصارات الكاسحة للقوات المسلحة بردا وسلاما على إنتعاش حركة الصادرات.
وانبنت الخطة التطويرية الجديدة التي يعكف عليها المدير العام علي ركيزة إعادة (هيكلة الموانيء)، وتلجمك الدهشة إذا علمت أن آخر هيكلة كانت في العام 1995، قبل التوسع في الميناء الأخضر وميناء الخير وقبل إنتاج البترول، وإنشاء الميناء الخاص به، بل قبل دخول الرافعات الجسرية حتى، ويقول جيلاني: أنهم الآن يعملون على بناء الكادر البشري بعد توصيف الأنشطة المينائية وتسكين الكادر المناسب، دون اغفال الجانب الخاص بتعزيز الآليات والمعدات العاملة لزيادة وتيرة القدرات التطويرة والاستفادة وتشغيل (الحوض العائم)، والانفتاح في تقديم الخدمات اللوجستية للبواخر القادمة، والاستفادة القصوى من ميناء الخير بتقديم الخدمات لناقلات النفط التي تمخر عباب البحر الأحمر، وتطوير الموارد والأنشطة عموما والانفتاح بأفكار خلاقة تجاه الاستفادة من الموارد المهملة أو المهدرة..!
وانبنت كذلك الخطة التطويرية على المزاوجة بين المشروعات المستقبلية الكبيرة كبناء وتشييد ميناء سواكن الجديد للحاويات، وميناء اوسيف المتخصص في المعادن/ يجري الترويج له/ وتقدمت عروضا من جهات استثمارية كثيرة لتشغيله، وميناء عقيق لصناعة الأسماك في جنوب البحر الأحمر تنهال عليه العروض الاستثمارية، أما المشروعات الصغيرة مثلا: كمشروع الدواجن وإنتاج المياه المعدنية يفتح فرص عمل جديدة للعاملين ويجعل الإدارة تستثمر في قطاعات جديدة خارج الصندوق المعتاد تدر عليها أرباحا وتغذي الأسواق بالمنتجات وتقفل باب الاستيراد بالعملة الصعبة..!
أختم بالقول أن الخطة التطويرية لم تكن قاصرة على الجوانب الفنية فقط بل شملت جوانبا أخرى منها: حوكمة مساهمات المسؤولية المجتمعية، والاسهام في الهم القومي العام ليشمل ولايات كسلا والقضارف والخرطوم في تدخلات مختلفة بجانب علاج جرحى معركة الكرامة، وايواء النازحين، وبالتأكيد الاسهام الاقتصادي في حماية الدولة من الانهيار جراء تمرد المليشيا التي شنت الحرب على البلاد ضمن أسباب عديدة منها السيطرة على هذه الموانيء التي تعد أحد القلاع الوطنية التي تناضل اقتصاديا بطريقتها في معركة الكرامة .



