الرأي والتحليل

محمد طلب يكتب: الذم بديل الدم فلنصدق النية (2)

الاستفادة والتفكير أو النقد لهذا المقال وما يطرحه يتطلب الاطلاع على المقال السابق لمتابعة تسلسل الفكرة والدواعي التي دعتنا للكتابة ومحاولة صناعة تغييرا في العادات والمفاهيم المختلة ونقدها نقداً موضوعياً ومحاولة خلق معالجات وكما أسلفت في المقال السابق أن هذا الأمر يتطلب تكاتف جهود علماء ومختصين في عدة مجالات في العلوم الإنسانية و قريباً جداً من الدين وعلى هديه دون شك.
وخلصنا في المقال السابق إلى ضرورة احداث تغييرا جوهريا في مضمون وشكليات أهم أنواع (التعاقدات) وهو عقد الزواج والذي تقوم عليه كثير من الحقوق والواجبات التي يشترطها العقد دون أن ندري بذلك لأن أمر (العقد) عندنا أضحى شكلياً ولا يوجد كبير اهتمام بمضامينه والعقد (شريعة المتعاقدين).
قبل أعوام عندما زرت وكيلي في زواجي وخطر على بالي سؤالا عجيبا فقلت له مبتسماً بما أنك كنت وكيلاً في زواجي فما هو اسم زوجتي استغرب الرجل جداً من هذا السؤال وكان رده جاهزاً (يا ولدي أنا كنت وكيل زاوج لناس كتير صعب اتذكر الأسماء) ثم اردف ضاحكاً (مش كويس اني عرفت أسمك أنت)…
الملاحظ أيضاً أن طرفي العقد قد لا يحضران مجلس العقد وقد لا يعرفون وكيلهم بل لم يوكلوه أصلاً، ومن يقومون بهذه المهمة أنفسهم يؤدونها شكلياً وبعيد جداً عن المضامين أما مضامين المضامين و جوهر القضية فحدث ولا حرج.
حقيقة لا أدري ما هي الشروط والاختبارات لاستيعاب (مأذون شرعي) و قد شاهدت في بعض القرى أنها تكون أمراً متوارثاً عن المتوفي مثله مثل الشياخة والعمودية و الخلافة وغيرها وعذاب خلا مبدئي….
غالباً عندنا لا يسمع (المأذون) من العروس أمر قبولها مباشرة وحتى الوكيل لا يسمع عنها ولا حتى يكلف نفسه أمر السؤال وهذا أمر في غاية الخطورة، أذكر ذات مرة تم توكيل رجل معروف بتقواه فقال لا بد أن أسمع من العروس فقالوا له إنها (بالكوافير) و أصروا عليه فرفض رفضاً باتاً و أصابته أصوات لوم عنيفة رغم أنه على حق ودوماً نكون ضد الحق ما دام هذا الحق ضد الأعراف والتقاليد في ازدواجية المعايير التي تخترق حياتنا وديننا وصبوا لومهم على والد العروس كيف يوكل هذا (المتعنت).
كما أن أغرب عقد زواج شهدته بالسودان كان وكيل الزوجة الرئيس السابق البشير و وكيل الزوج الرئيس الأسبق جعفر نميري والشهود رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي واحد أبناء المبرغني.. والأمر كان مجرد مظاهر.
شهدت عقد صديق لي في دولة الامارات بالنادي السوداني وعندما عُقد المجلس للإجراءات قال المأذون (نريد موافقة الزوجة) فدلوه على مكانها وكانت العروس بالسيارة خارج القاعة فذهب في جمع من الحاضرين و تأكد من شخصيتها وهويتها بصورة دقيقة وسألها مباشرة و اخذ موافقتها وقبولها ثم دلف داخل القاعة وأكمل الإجراءات، كانت هذه المرة الأولى التي أرى واسمع فيها مثل هذا الفعل (الصحيح) الذي بدأ لي غريباً للوهلة الأولى، حينها عرفت أهمية وفوائد الهجرة والاختلاط اللا محدودة أما عندنا هنا فالطرف (الانثى) لا وجود له اطلاقاً في العقد رغم أنها طرف أصيل فيه وهذه مشكلة حقيقية .
طبعاً كما تعلم عزيزي القارئ أن الحديث عندنا عن هذه المسائل و نقدها حديث ممنوع ويجلب العنت والمشاكل و ربما الخصومات والمقاطعة.
و من ملاحظاتي على عقد الزواج أنه أسرع عقد في تاريخ التعاقدات لا يستغرق وقته سوى دقائق لا تتعدى أصابع اليد الواحدة وهو الوقت الفاصل والحاسم الذي تترتب عظائم على ما بعده رغم سهولته ويسره إلا أنه في مجتمعنا تسبقه شكليات وفوارغ خارج نطاق القضية ولا ترتبط بها أو تخص أطرافها بشكل مباشر لكنها تستغرق شهوراً وربما سنيناً.
عبارات عقد الزواج عبارات مختصرة وسريعة لكنها كافية فمثلا جملة على (سنة الله ورسوله) تتطلب الوقوف عندها كثيراً وتخرج أسئلة تلقائية،هل تم اطلاع طرفي التعاقد على (سنة الله ورسوله)؟؟؟؟ هذه التي ينص عليها عقد الزواج بل هل عقد الزواج نفسه اتبع هذه السنة؟؟؟ وهل أطراف العقد و(المأذون) نفسه على علم تام بها؟؟؟ أو هل تعلموا بالمدارس والجامعات ونشاطاتها شيء من ذلك؟؟.
وعبارات (وافقت) و(قبلت) و(شهدنا) وعبارات الطلب والقبول السريعة التي يرددها الوكلاء ببغبغاوية غريبة تفقدها مضامينها وتجعلها مجرد روتين ينتظر الجميع نهايته كي تُطلق الأعيرة النارية ويضج المكان بالزغاريد والتبريكات… الخ
ولا نعير الجملة المحورية في العقد (على سنة الله ورسوله) أي اهتمام والعروسين لا يعرفان حتى آداب الجماع في شريعتهم.
لا شك عندي اطلاقاً أن ما نقم به يحتاح لكثير من المراجعات ويستوقفني هنا مصطلح (مأذون) ومصدره والمفردة تحمل دلالات (الإذن) بإجراء عقد الزواج ولا شك عندي أن منح هذا الإذن وشروطه أصابها الخلل الذي أصاب كل مناحي الحياة في (المشروع الحضاري) في سودان الدماء، وهل يخضعون لدورات تدريبية في أمور الزواج والطلاق ومعالجاتها، كما لم ار في بلادي اطلاقاً كتيبات وارشادات تصدرها وزارة الشؤون الدينية والاجتماعية في أمور الزواج والطلاق بقدر اهتمامها (بالأوقاف) والزكاة ومصادر الأموال ودعم المحتاجين، وهل ما يعرفون بالأئمة والدعاة يعيرون هذا الأمر كثير اهتمام مثل ما يعيرون غيره من الأمور الهامشية.
الزوجية هي أساس استمرارية الحياة والتقدم والتطور وكل شئ فإن تم البناء عليها بشكل جيد ومتين لا شك أن أمور حياتنا سوف تتحسن كثيراً.

هشام احمد المصطفي(ابوهيام ) رئيس التحرير

من أبرز المنصات الإلكترونية المخصصة لنقل الأخبار وتقديم المحتوى الإعلامي المتنوع والشامل. تهدف هذه المنصة إلى توفير الأخبار الدقيقة والموثوقة للقراء في جميع أنحاء العالم العربي من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة والأساليب المبتكرة في عرض الأخبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى