
في المقال السابق خلصنا إلى أن عقد الزواج هو أهم عقد على الاطلاق وتطرقنا شكلاً ومضموناً إلى بعض مواضع الخلل وتحديداً موضوع (على سنة الله ورسوله) وهل فعلاً طرفي (العقد) على علم تام أو قاصر( بسنة الله ورسوله) التي (تعاقدا) عليها (دون وجودهما في مجلس العقد) وهنا نكون أمام معضلتين لا بد من وجود معالجات لهمت، أولهما ضرورة المام طرفي العقد بسنة الله ورسوله في موضوع الزواج وكيفية الوصول لذلك، ثانياً ضرورة وجود طرفي العقد في مجلسه وتلاوة نص العقد و وقوع القبول والرضا من الطرفين.
وذكرت في المقالات السابقة أن أساس المجتمعات هي (الزوجية) التي تخرج منها الأسر المكونة لمجموع سكان الجغرافية المعينة المكونة لشعبها وأن هذا الأمر الذي نحن بصدده يحتاج تكاتف جهود علماء لخروجه بصورة جيدة وما نطرحه ما هو إلا آراء حول رؤوس مواضيع لقضية يمكن أن تخلق راياً يتبناه المجتمع وقد يجعله واقعاً متى ما توفرت له الظروف.
في عهود الانفتاح الأخيرة والاغتراب والهجرات التي جعلت موضوع الزواج معقداً ومكلفاً وصل لدرجة عزوف الشباب و إرتفاع نسبة العنوسة وقفزت سن الزواج للذكور من العشرينات إلى الأربعينات وعند الإناث من (طاشرات) إلى ثلاثينات وشهدت البلاد في فترة (المشروع الحضاري) بعض المعالجات الشكلية والسطحية غير العميقة والمتعمقة في الأمر و تبنت حكومة (الإنقاذ) مشاريع تسهيل الزواج بصورة عشوائية وسطحية تعلقت بقشور القضية ولم تدرك لب الموضوع ومعالجته عبر الوزارات المعنية من تربية وتعليم وشؤون دينية وثقافة وفنون وإعلام وما يرتبط بها من مالية و وضع إستراتيجيات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى يلتقي لها العلماء في عمليات العصف الذهني و نقاش مثمر النتائج، وكنت قد كتبت في ذلك الامر في وقت سابق قبل سنوات وأشرت إلى أنه من الممكن أن تزيد احتفائيات الزواج الجماعي واحتفالاته نسبة الطلاق في المستقبل وعددت الأسباب وكل ما يبرر طرحي لكننا في بلد لا تهتم بعلم الاحصاء و أهميته في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية و غيرها وفعلاً زادت حالات الطلاق في السنوات الأخيرة إلا انني لا استطيع الجزم بأن (الزواج الجماعي) من أسباب الطلاق وذلك لعدم وجود احصائيات دقيقة وعدم الاهتمام بالحانب الاحصائي بتاتاً وقطعاً هناك زيجات ناجحة جداً أخرجها وسهلها الزواج الجماعي الذي يرتكز على الجانب المادي لما قبل الزواج ويترك الزوجين لاقدارهما دون توفير مؤهلات حصانة لضمان استمرار هذا الزواج، وتنتهي علاقة لجنة تسيير الزواج بالعرسان بنهاية الحفل، وما يوفره الزواج الجماعي هي أمور يمكن الاستغناء عنها أصلا بترسيخ ثقافة التسهيل هذه عند المجتمع عموماً وأطراف الزواج على وجه الخصوص فيكون الزواج مسهلاً بشكل فردي لكل أطراف المجتمع إذا وضعت له الأسس الراسخة وعملت الدولة والمجتمع على ترسيخ أمر تسهيل الزواج و ادراكه فالزواج أصلاً أمر (خاص جداً) بين فرد (ذكر) و آخر (انثى) ويتعلق أمره بأسرتين لتكوين أسرة جديدة أساسها فرد من أفراد كل أسرة منهما لتكوين بيت (الزوجية) الجديد وبالتالي اسم ومسمى (الزواج الجماعي) غير صحيح أصلاً وهو ليس جماعياً إلا في احتفاليته حتى إجراءات العقد لا ينطبق عليها هذا الاسم فقد شهدت في أحد المساجد الكبيرة بالعاصمة في ذات جمعة أكثر من (عقد زواج) كان العقد الذي حضرت له رقم (خمسة) في ذات الجلسة بعد الصلاة فهل هذا أيضاً زواجاً جماعياً؟
أن الزوجية هي أساس شعوبها القادمة، لكننا دائما نستعجل النتائج ولا ندري أن أي نتيجة ما هي إلا سبباً لنتيجة أخرى وحكومتنا (الإسلامية) لا تعرف مدلولات الآية القرآنية (فاتبع سبباً) وارتباطها بــ (حتي إذا) وهي نتيجة تعقبها (ثم اتبع سببا) وهكذا يجب اتخاذ الأسباب ونتيجة الأخذ بالأسباب ما هي إلا أسباب لما بعدها وهذا هو القرآن (دستور الأمة).
كما أسلفت أنا لست قانونياً مختص ولست متمكناً من أمور الدين لكني متأملاً للواقع ورابطاً له بما أعلم من الدين وبقية العلوم الإنسانية لذلك اعتقد أن قانون الأحوال الشخصية يحتاج لمراجعات من (علماء) مختصين في العلوم الإنسانية وقبول الآراء المطروحة حوله ومناقشتها بروح المحبة دون تعصب.
في المقال القادم نتناول فكرة جديدة وغير مطروقة في مسألة عقد الزواج وليست خارجة عن الدين أو القانون لكنها ربما تمثل عرفاً جديداً.