
العنوان أعلاه مقطع من احدى أغنيات الطمبور للشاعر (علاء الدين عبد الرحيم) و غناء فنان الطمبور الشهير (عبد الرحيم ارقي) .
لا أخفي عليك عزيزي القارئ أني كنت معجب جداً بهذه الأغنية لدرجة الوله أو كما يقول صديقنا خالد ابارو (إعجاب منقطع النظير)، و أظن أن معظم الشعب السوداني معجب بهذه الأغنية غاية الإعجاب.
و على ما ذكر أني أول مرة اسمعها كان قبل ثلاثة عقود ونيف تقريباً وقتها كانت لسبب ما أو فعل ما لا أعرفه (السيادة) لأغاني الطمبور لأنه في فترات أخرى سادت نوعية معينة من الأغاني (ودا ما موضوعنا الآن) ربما نفرد مساحة أخرى (لسيادة) نوع معين ونمط معين من الأغنيات الساحة لغرض ما أو فكرة ما .
كما أن هذه الأغنية سادت الساحة الغنائية في التسعينيات مع مجموعة أغنيات للفنان (ارقي) في كاسيت أصدره في التسعينيات من القرن الماضي وساد ذلك (الكاسيت) الساحة فتجده في حفلات الركاب ومحلات المرطبات والكافتريات نستمع له مع سندوتشات الشاورما والبيرقر وعصير المنقة أو مشروب الكركدي والعرديب نسمعه في المواصلات العامة ولدى سائقي التاكسي اللذين يعشقون هذه الأغنية قبل صخب الركشات وتلويثها (لكل الأجواء).
كنت وقتها في عنفوان الشباب فأسمحوا لي بسرد علاقتي الخاصة بالأغنية مع والدتي ورغم أن ما سوف أسرده يمثل حالة خاصة إلا أنه سوف يوضح لكم في سلسلة المقالات القادمة أن الأمر يمثل الكثير بل يتجاوز الحالة السودانية ويحمل قضايا فلسفية وفكرية عامة.
كنت وقتها في عز الشباب لم أتزوج بعد وفي بدايات السلم الوظيفي مستمتع جداً بالحياة السودانية في وضع آمن ومستقر نوعاً ما، أذكر اني اشتريت مسجل بالتقسيط المريح من شركة (المعروضات المصرية) خصيصاً كي تسمع والدتي هذه الأغنية فقد كانت الوالدة (ربنا يديها العافية) تصر عليّ وقتها بالاغتراب اصراراً عجيباً لعلها تصرف النظر عن موضوع اغترابي هذا مع تكرار هذه الأغنية عليها يومياً فهي (سيدة بيتها قاعدة في بطن بيتها.. تعوس وتكنس وتطبخ) وتهيئ لنا حياة طيبة لكن كان لها افق واسع فقد رأت أن في اغترابي فوائدا عديدة لم القى لها بالاً في ذلك الوقت (يا ولدي اغترب ابني ليك بيت و عرس وشوف حياتك) كانت تردد هذه الكلمات وأنا ولدها البكر كنت اتبسم لكلماتها، و في العصريات عندما كان (العصر) أجمل أوقات اليوم لدى أهل السودان و بعد الراحة من العمل أجعل (ارقي) عبر سماعات الاستريو يردد علي مسامعها تلك الأغنية التي تدعو فيها (أم) ولدها لعدم السفر حيث كنت أشعر أن القصيدة تعبر عن مشاعر الأم وذوقها السليم تجاه إبنها بشكل صادق وتتضمن العديد من القيم العالية في حب الأم لإبنها حتى تسرب لظني و (بعض الظن إثم) أن (أمي لا تحبني) فأضحك لتشتيت هذا الظن السيئ وتلك الفكرة القبيحة .
فقد كانت كل ما اسمعتها الأغنية تقول (خلاص سو رضايا) رغم أنا رضاها يختلف تماماً عن رضا الأم التي بالأغنية فأقول لها (لكين يا أمي هي ما دايرة ولدها يسافر وانتي دايراني أسافر ) .
وللحقيقة والتاريخ كان لوالدتي دور كبير في اغترابي بالتخطيط له مع اخيها (خالي) و أخي الأصغر مني بعام و الذي انهي دراسته بالهند واتجه نحو الخليج .
كنت وقتها (مبسوط) موظف بنك محترم وحالي كويس (جواز ذااتو ما عندي) مرتاح في ذلك السودان رغم المضايقات التي بدأت تظهر في العمل من بعض الزملاء و التي أوصلتنا مكاتب الأجهزة الأمنية، و بعدها بدأت في (مشروع أمي) التي كان والدي رحمه الله مسانداً لها في الفكرة فحقيقة لم يكن مشروعي أصلاً الاغتراب أو بالأحرى لم يكن لدى خطط مستقبلية غير أني أحب ذلك التراب و(الكنداكة) وغبار السوق العربي.. وكم كنت غبياً.
توجهت شطر الخليج وتلقيت هناك كثيرا من المعرفة وبذلت معرفتي و قابلت وتعاملت مع شعوب و أجناس و أمم و أديان وثقافات مختلفة ومتنوعة تعيش في نظام منضبط جداً واستفدت فائدة كبيرة لا تقيم بمال تفاصيل كثيرة لا مجال لذكرها في المقال ثم عدت للسودان 2019 بعد أكثر من عقدين أحمل المال والأمنيات فلم أجد ذلك الوطن ثم ( حدس ما حدس).
بالأمس وأنا استمع لهذه الأغنية وتتقاذفني كثير من الأفكار أدركت كم كانت أمي واعية و كأني للتو غدوت ناضجاً تفحصت هذه الأغنية فوجدت أنها كانت تحمل السم في الدسم وخطر ببالي أنها أغنية مصنوعة.
أنتظرونا في المقال القادم عن تفاصيل الأغنية.



