بقلم: يس إبراهيم الترابي
قمت مرة بزيارة أهلي من قرية ود الترابي الذين أجبرتهم مليشيا الدعم السريع الإرهابية على الخروج من القرية ، وقد استقروا بمنطقة الشعديناب بمحلية الدامر، وطفت عليهم أسرة أسرة ووجدتهم في ارتياح تام بسبب المعاملة الكريمة التي وجدوها من مواطني وسكان الشعديناب، وقد آووهم في بعض المنازل مجانا فضلا عن تبرع أحدهم بصالون كبير للشباب والرجال به كافة الخدمات، فكان أهلي في تغيير شعوري نفسي من حالة الهلع والوجل من المليشيا إلى الإحساس بالسعادة والفرح من هؤلاء الرجال الأوفياء والنساء الفضليات الكرماء بالشعديناب.
اهتبلت فرصة زيارتي لبيت المعلم بالدامر حيث تزجد به مباني الهيئة النقابية لعمال التعليم بولاية نهر النيل التي قامت بتشييده كمفخرة لمعالم ومعلمي الولاية وقد كتبت عن جهودهم في ذلك من قبل، وهنالك قابلت رجل حبيب إلى نفسي معلم قدير وخبير تربوي ونقابي محنك وإداري سابق بوزارة التربية والتعليم بولاية نهر النيل ، ينحدر من أسرة تتنفس علما وثقافة وفقها وتدينا وعلوا بمنطقة الشعديناب.
إنه الأستاذ *عوض أحمد بخيت* الأمين العام للهيئة النقابية لعمال التعليم بولاية نهر النيل الذي يسكن منطقة الشعديناب، فقد تجاذبت معه أطراف الحديث بنشوة خاصة عما وجده أهلي وعشيرتي من قرية ود الترابي من كريم المعاملة من الأسر والسكان والمواطنين بالشعديناب وقد أسهبت له في القول في هذا الأمر ، وبعد ذلك طلبت منه معلومات وافية عن هذه المنطقة لندرك أصل هذا التعامل وجذور هذا الإكرام.
فتفاعل الأخ مع سعادتي بخصوص كرم أهله بالشعديناب وتحمس لفكرة توثيقي لهذه المنطقة فذكر لي أن حلة الشعديناب القديمة كانت تسمى (شعديناب درو) وتاريخيا هي المنطقة الوحيدة التي حملت اسم الشعديناب منذ القدم نسبة للجد شاع الدين بن عرمان ، وحي الشعديناب حي كبير وعريق يوجد به قبر عيسى ود قنديل وقبر حفيده عبدالله راجل درو جد المجاذيب، ومن حلة شاع الدين القديمة نزح الفقيه حمد ود عبدالله راجل درو في العام ١٦٥٠م واستقر في المنطقة التي يوجد بها الآن مسجد السهيلي وقد أسس مدينة الدامر الحالية.
وقبل أن يسترسل معي بالمعلومات عن منطقة الشعديناب أعادني في فذلكة تاريخية عن أصول الجعليين وبيوتهم المختلفة فحدثني بأن جد الحعليين الأكبر هو إبراهيم جعل من منطقة (العرشكول) بالنيل الأبيض وقد تحرك منها متجها نحو الشمال، فقام بتوزيع أبنائه في عدة مناطق، فترك ابنه (جموع) جد الجموعية بأم درمان ووضع ابنيه المك(عرمان) والمك (عدلان) بمنطقة شندي، واختار لابنه (شاع الدين) منطقة الدامر، وكان من نصيب ابنه(رباط) منطقة الرباطاب، ثم أبعد ابنه (شايق بن حميدان) جد الشوايقة عنهم لأنه كان يحب الأراضي(الواطة) بلغتهم القديمة ومساحاتها الشاسعة وكان معه ابنه (بدير) جد البديرية.
ومن هذا التوضيح نجد أن من أسس منطقة الشعديناب هو جدهم شاع الدين أحد أحفاد المك عرمان وهو جد المجاذيب عبر عيسى ود قنديل ، ومقابر شيوخ المجاذيب توجد في حوش خاص بمنطقة الشعديناب، وبالتالي نجد أن منطقة الشعديناب هي من أوائل المناطق بمحلية الدامر وأعرقها تاريخيا وأساس تكوين هذه المحلية مترامية الأطراف المتشربة من معاني وقيم وشيم الكرم والإلهام والشجاعة من جدودهم الفرسان النقباء.
وعرج بي الأستاذ عوض بخيت على حدود ممالك ابني إبراهيم جعل حيث تحدث أولا عن المك عرمان جد الجعليين الذي كانت حدود مملكته من جنوب شندي وحتى الفاضلاب(كبري أم الطيور) من جهتي الشرق والغرب ونهر عطبرة، ومن أبنائه مكابر جد المكابراب وزيد جد الزايداب وشاع الدين جد الشعديناب.
أما المك عدلان فهو جد المك نمر وحدود مملكته من جنوب شندي حتى منطقة حجر العسل شرقا وغربا ولكن غالبية مناطقهم جهة غرب النيل وقد انحدر منهم النافعاب جدود الدكتور نافع علي نافع ، وقد اتصف هؤلاء بالشجاعة والفروسية وتحمل الأذى والجدية في الحياة وعدم التلاعب في الحدود والعروض.
أما شاع الدين فكانت حدوده من منطقة الحصايا جنوب الدامر وحتى منطقة الشعديناب التاريخية العريقة بالدامر وأبوسليم جهة الغرب ، وشقيق شاع الدين هو عبدالعال جد المجاذيب وأبناؤه وأحفاده يسكنون مناطق المسياب والجباراب والمجاذيب بالدامر والكويشاب بالغرب والحسبلاب بغرب النيل أيضا.
وحدثني عن مشاهير منطقة الشعديناب وأبرزهم المادح قسم السيد ود عوض صاحب المدحة المعروفة
*صلاة الله على من واجبالو*
*سلامي يفوق للحصى والرمال*
كما لديه مدحة في الغزالة التي ضمنها الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد كان يمدح معه أحمد قدور والد الشعراء والمشاهير المرحوم السر أحمد قدور الشاعر النحرير الذي غنى له كبار الفنانين وهو صاحب البرنامج الشهير(أغاني أغاني) الذي كان يبث عقب الإفطار مباشرة في شهر رمضان والفريق عمر أحمد قدور الذي تولى مدير مدير عام الشرطة في فترة من الفترات وكان أيضا رئيس اتحاد الكتاب والأدباء على مستوى السودان وهنالك شقيقهم الشاعر عبدالمنعم أحد قدور الذي لم يذع صيته مثلهما.
ومن الأسر العريقة بالشعديناب المليكاب والمحموداب وأولاد نافع حمد مصطفى وأولاد عكور وآل الحوري الذين ينحدر منهم المرحوم الأستاذ محمود سر الختم الحوري.
وهنالك عدة خلاوى للقرآن الكريم بمنطقة الشعديناب أولها خلوة عيسى ود قنديل الذي انتقل بها إلى مدينة الدامر، كما توجد خلاوى بالمساجد أهمها وأكبرها خلوة المسجد العتيق الذي تخرج فيها العديد من الحفظة رجالا ونساءا اللائي توجد لهن أيضا حلقة تدريس.
أما عن التعليم بالشعديناب فقد أخبرني بأنه قد بدأ بالتعليم الديني في هذه الخلاوى ، ثم جاء التعليم النظامي ، ويوجد بالشعديناب ثلاث مدارس ابتدائية ومتوسطة للبنين ومثلها للبنات ، ونسبة لقرب الشعديناب من الدامر فإن طلابهم وطالباتهم يدرسوا المرحلة الثانوية بمدارس مدينة الدامر.
كما ذكر لي بأن منطقة الشعديناب بها العديد من الأطباء من الجنسين أحدهما يعمل بدولة السويد، كما ينحدر سفير السودان الذي عمل باليمن من الشعديناب، وهنالك العديد من الخريجين من مختلف الكليات والجامعات الذين يحملون تخصصات ومؤهلات متباينة ، ومن المعلمين الذين ينحدرون من منطقة الشعديناب الدكتور محمد بخيت أحمد الذي يعمل بمحلية كرري وهو من الخبراء التربويين والمعلمين المقتدرين وهو عبارة عن موسوعة وكشكول في الفنون والآداب والتربية والتعليم، فهو شاعر ومادح ومسرحي ومدرب.
