
● في مشهد يعيدنا إلى أيام الاحتلال المباشر، لا إلى عهد “الدول ذات السيادة” هزّت غارات جوية إسرائيلية العاصمة السورية دمشق، وامتدت نارها إلى محافظة السويداء، تحت ذريعة “حماية الدروز”. عذرٌ جديد لممارسة عدوان قديم، ورسالة واضحة مفادها إسرائيل قررت أن تلعب على الملأ دور الحاكم بالوكالة في جنوب سوريا.
● الضربات الجوية التي استهدفت بوابة الأركان العامة في قلب العاصمة، لم تكن مجرد رد فعل عابر، بل إعلانٌ فاضح عن تغيير قواعد الاشتباك وفرض واقع جديد تحكمه لغة النار، لا الأعراف الدولية، ولا سيادة الدول فهل من تفسير آخر لسكوت الدولة السورية عن قصف بهذا الحجم؟ وهل كان بمقدور إسرائيل أن تجرؤ على هذا العدوان أيام بشار الهارب ..؟
● إن ما جرى لا يمكن فصله عن تراجع مركزية القرار في دمشق، وعن مرحلة انتقالية رمادية يتصدرها أحمد الشرع بصفة “رئيس”، بينما المؤشرات كلها تقول إن القرار الفعلي قد أصبح في يد العواصم الخارجية، وتحديدًا تل أبيب فهل بات الشرع مجرد واجهة؟ وهل أصبحت السيادة السورية سلعة في بورصة التحالفات الإقليمية؟
● الذرائع الإسرائيلية في الدفاع عن الدروز، وهم مكوّن وطني عريق، ليست سوى غطاء رخيص لشرعنة تدخل عسكري يضرب عمق الدولة السورية ، منذ متى كانت إسرائيل حريصة على الأقليات؟ ومنذ متى كانت تتدخل لحماية أحد غير مصالحها؟
● ما يحدث في السويداء من اشتباكات دموية بين فصائل محلية والجيش السوري، ومجزرة سقط فيها عشرات القتلى، بينهم أطفال ونساء، لا يبرر بأي حال من الأحوال انتهاك السيادة السورية من الجو، وتدمير مؤسسات الدولة على مرأى من العالم بل على العكس، هذه الغارات تصبّ الزيت على نار الفتنة، وتعزز الانقسام، وتحوّل سوريا إلى ساحة تصفية حسابات.
● المرصد السوري لحقوق الإنسان تحدث عن 360 قتيلًا في أقل من أربعة أيام، ومشاهد الإعدامات الميدانية في مدينة السويداء تشير إلى كارثة إنسانية تتجاوز حدود الصراع المسلح لكن بدلًا من أن تبادر الأمم المتحدة أو الجامعة العربية جاءت الطائرات الإسرائيلية لتعلن أن القرار بات خارج أيدي السوريين.
● الرئيس أحمد الشرع، وفي أول خطاب له بعد القصف، حاول الظهور بمظهر القائد الحازم متوعدًا بمحاسبة من أساء إلى الدروز ومؤكدًا على وحدة البلاد لكن الوقائع على الأرض تُكذّب الأقوال فإسرائيل ضربت قلب الدفاع السوري فماذا كان الرد؟ لا شيء سوى الصمت والبيانات.
● إن هذا الصمت ليس فقط علامة ضعف، بل إقرار ضمني بأن القرار السوري لم يعد في دمشق. وهو ما يطرح سؤالاً جوهرياً أمام الشعب السوري والعالم العربي هل أصبحت سوريا تحت الوصاية الإسرائيلية؟إذا كانت إسرائيل اليوم تُملي قواعد الاشتباك في الجنوب السوري، وتقرر من تُضرب مدنه ومن تُحرق قراه، فأي استقلال نناقشه؟ وأي رئيس نثق بقراراته؟
● في عهد بشار الأسد، ورغم الدمار والانقسام، لم تجرؤ إسرائيل على قصف وزارة الدفاع علنًا. أما اليوم، فها هي تفعلها على الهواء مباشرة، لتعلن للعالم من يدير دفة الحكم، ومن يحدد مسار “الحلول”، من يتكلم ومن يصمت ، ولكن متى وكيف ستكف إسرائيل عن هذا السلوك .؟؟
● السويداء اليوم ليست فقط ساحة معركة، بل مرآة لواقع مرير أن الدولة السورية أصبحت ممزقة بين قوى محلية وسلطات انتقالية، وسماء مفتوحة لغارات من يدّعون حماية الدروز… بينما الحقيقة أنهم يذبحون الجميع باسم “الحقوق”،لقد آن الأوان أن يخرج صوتٌ عربي حرّ يقول لا لإسرائيل وصية على الدروز، ولا للسلاح الخارجي حلاً لمشاكل الداخل ، السويداء أرض سورية، وأهلها سوريون وحمايتهم مسؤولية دولتهم، لا تل أبيب.



