
لم تكن المحنة التي تعرّضت لها شركة الجزيرة للطباعة والنشر حدثًا عابرًا في تاريخها، بل شكّلت اختبارًا حقيقيًا لصلابة مؤسسة وطنية عريقة، ولدور القيادة في أحلك الظروف. فقد أصاب الدمار المطبعة في واحدة من أقسى الفترات التي مرّت بها البلاد، نتيجة أعمال تخريب إجرامية نفذتها مجموعات خارجة عن القانون، استهدفت مقدّرات الإنتاج والمعرفة، في محاولة لضرب ركائز التعليم والثقافة والاقتصاد المحلي. غير أن هذه المحنة، على قسوتها، لم تُنهِ المسيرة، بل شكّلت نقطة تحوّل وبداية جديدة لمرحلة عنوانها إعادة البناء، والتحديث، وتوطين الطباعة.
في قلب هذه المرحلة المفصلية، برز اسم الدكتور كمال الدين عوض عبدالله، المدير العام لشركة الجزيرة للطباعة والنشر، كأحد القيادات التي تعاملت مع الأزمة بعقل استراتيجي وروح وطنية عالية، واضعًا نصب عينيه أن ما بعد الدمار لا يجب أن يكون مجرد عودة إلى ما كان، بل انطلاقة نحو ما ينبغي أن يكون.
الدمار… وتحدي البقاء
تعرّضت مطبعة الجزيرة لأضرار جسيمة شملت المباني، وخطوط الإنتاج، والمخازن، وعددًا من الآليات والمعدات الأساسية، ما أدّى إلى توقّف شبه كامل للعمل، وألقى بظلاله على العاملين، وعلى المؤسسات التي تعتمد على المطبعة في تلبية احتياجاتها من المطبوعات التعليمية والرسمية. وكان المشهد قاسيًا، ليس فقط من حيث الخسائر المادية، بل من حيث رمزيته؛ إذ استُهدفت مؤسسة تمثّل ذاكرة مطبوعة، وعصبًا أساسيًا في دعم التعليم والنشر الورقي بالولاية.

غير أن إدارة الشركة، بقيادة الدكتور كمال الدين، رفضت الاستسلام لواقع الدمار، واعتبرت أن التحدي الحقيقي لا يكمن في حجم الخسارة، بل في كيفية إدارتها وتحويلها إلى فرصة.
تقييم شامل وبداية التعافي
كانت أولى خطوات ما بعد الدمار إجراء تقييم شامل ودقيق لحجم الأضرار، شمل الجوانب الفنية والإدارية والبشرية. ولم يكن الهدف من هذا التقييم حصر الخسائر فحسب، بل وضع أساس علمي لمرحلة التعافي، واستخلاص الدروس، وبناء رؤية جديدة تمنع تكرار ما حدث، وتعزّز مناعة المؤسسة في مواجهة الأزمات.
إعادة التعمير برؤية حديثة
في خطط ما بعد التعمير، لم تطرح إدارة شركة الجزيرة للطباعة والنشر خيار الترميم المؤقّت، بل تبنّت خيار إعادة البناء على أسس حديثة. وشملت هذه الخطط إعادة تأهيل المباني وفق معايير السلامة والجودة، وتحسين توزيع المساحات الداخلية بما يضمن سلاسة حركة الإنتاج، وسهولة التخزين، ومرونة التوسّع المستقبلي.
كما شملت الخطة تحديث الأنظمة الكهربائية وأنظمة الطاقة، وربط المطبعة ببنية تشغيل حديثة تقلّل الأعطال وترفع كفاءة الأداء، مع مراعاة الاستدامة وتقليل التكاليف التشغيلية على المدى البعيد.
تحديث التكنولوجيا وتوسيع الطاقة الإنتاجية
إدراكًا منه بأن مستقبل الطباعة لا يقوم إلا على التكنولوجيا، جعل الدكتور كمال الدين من تحديث الآليات وخطوط الإنتاج أولوية قصوى في مرحلة ما بعد التعمير. وتسعى الشركة إلى إدخال ماكينات طباعة حديثة قادرة على تلبية مختلف أنواع المطبوعات، من الكتب المدرسية والامتحانات، إلى المراجع الأكاديمية والمطبوعات الرسمية، بجودة عالية وسرعة إنجاز، بما يعزّز ثقة المؤسسات الحكومية والخاصة في المنتج المحلي.
الاستثمار في الإنسان قبل الآلة
رغم أهمية البنية التحتية والتكنولوجيا، ظل العنصر البشري في صدارة أولويات الإدارة. فقد تضمّنت خطط ما بعد التعمير برامج تدريب وتأهيل مهني، تهدف إلى رفع كفاءة العاملين فنيًا وإداريًا، وتمكينهم من التعامل مع التقنيات الحديثة، إلى جانب تحسين بيئة العمل وتعزيز الاستقرار الوظيفي.

لقاء المسار: رؤية واضحة للتوسع وخدمة الولايات
في هذا الإطار، التقت قناة المسار الرقمية وصحيفة المسار بالدكتور كمال الدين عوض عبدالله، المدير العام لشركة الجزيرة للطباعة والنشر، في لقاء شامل وموسّع تناول مستقبل الشركة وخططها لمرحلة ما بعد التعمير.
وخلال اللقاء، أوضح المدير العام أن الشركة، بعد اكتمال عمليات إعادة البناء والتحديث، تمتلك الإمكانيات التي تؤهّلها لتلبية كافة مطبوعات الولايات، وعلى رأسها الكتاب المدرسي، والامتحانات، والمطبوعات التعليمية والرسمية، وفق أعلى معايير الجودة والدقة والالتزام الزمني.
كما تناول اللقاء الدور المحوري الذي تضطلع به الشركة في توطين صناعة الطباعة والنشر الورقي، مؤكدًا أن النشر الورقي سيظل ركيزة أساسية في العملية التعليمية ونقل المعرفة، إلى جانب الوسائط الرقمية.
الطباعة والتعليم… مسؤولية وطنية
تمثّل الطباعة، لا سيما طباعة الكتاب المدرسي والامتحانات، عنصرًا حاسمًا في استقرار العملية التعليمية. ومن هذا المنطلق، جعلت إدارة الشركة من خدمة التعليم أولوية وطنية، تنطلق من مسؤوليتها المجتمعية، وتسهم في تخفيف الأعباء عن الدولة والمواطن.
شراكات استراتيجية واستدامة مؤسسية
عملت إدارة الشركة على بناء شراكات استراتيجية مع الجهات الحكومية والخاصة، دعمًا لمرحلة التعافي والتعمير، إلى جانب وضع سياسات واضحة لتعزيز الأمن المؤسسي، وإدارة المخاطر، وتحقيق الاستدامة المالية والإدارية.
خاتمة
في المحصلة، تمثّل تجربة شركة الجزيرة للطباعة والنشر نموذجًا وطنيًا ملهمًا في إدارة الأزمات، وتحويل التحديات إلى فرص للنهوض والتطوير. وتعكس رؤية الدكتور كمال الدين عوض عبدالله إيمانًا عميقًا بدور الطباعة في بناء الإنسان، وحفظ المعرفة، ودعم التعليم، وتعزيز الاستقرار المجتمعي.
ومع اكتمال مرحلة التعمير، تمضي شركة الجزيرة للطباعة والنشر بثبات نحو مستقبل أكثر إشراقًا، لتؤكد أن إرادة البناء أقوى من محاولات الهدم، وأن الطباعة الوطنية قادرة على النهوض والعطاء من قلب ولاية الجزيرة.



