لقدرة الرسول صلى الله عليه وسلم على صناعة معالم أول دولة مدنية في التاريخ، ونجاحه في توحيد جماعات متفرقة ومتصارعة، كان ذلك سبباً في إعجاب مايكل هارت الذي وضعه على رأس قائمة العظماء في كتابه الخالدون المائة. وقد جسّد فتح الرسول صلى الله عليه وسلم لمكة، التي أُجبر على الخروج منها، أعظم مشاهد الحب للأمن والسلام من منطلق القوة. وتُعد هذه الحادثة من أبرز تجليات فقهه السياسي العميق ومراعاته لمقامات الرجال، حين أرضى غرور أبي سفيان بن حرب، فساوى بين حرمة بيته وحرمة بيت الله الحرام، مؤكدًا أن من دخلهما فهو آمن.
إن رد عدوان مليشيا الجنجويد، ورغم ضرورته لمنع استمرار ظاهرة حمل السلاح، لا يعني بالضرورة نهاية الحرب وأسبابها. صحيح أن إخضاع الجنجويد للقانون يشكّل خطوة مهمة، لكنه ليس علاجاً جذرياً للصراع. فكسر الشوكة يهيئ الأوضاع لعودة الأمور إلى مجراها الطبيعي، ويفسح المجال للحوار والبحث في جذور النزاع وأسباب التململ من السلطة.
من المعلوم أن الحروب الممتدة والمتجددة في السودان ترجع إلى جملة من الأسباب، من أبرزها المرجعيات الأيديولوجية، وسوء توزيع السلطة والثروة بين المركز والأطراف. ومثل هذه الخلافات العميقة والمعقدة يستحيل علاجها من دون مشاركة حقيقية لجميع الأطراف. فاستبعاد أي طرف من أطراف الأزمة لا بد أن يقود إلى إعادة إنتاج المأساة. ولذلك، فإن من الغريب أن تطرح بعض المبادرات السياسية رؤى تستبعد قوى أو فصائل لها وجود وتأثير ملموس على الأرض. فإذا كان كل طرف من أطراف الصراع يرى في خصمه سبب الأزمة، فإن الحل لا يخرج عن خيارين: *الخيار الأول*: الاستمرار في دوامة العنف إلى ما لا نهاية. *الخيار الثاني*: اللجوء إلى الوسائل السلمية التي لا سبيل فيها سوى منابر الحوار، وصولًا إلى حلول واقعية ومعقولة ترضي الجميع.
– الخرطوم
23 أغسطس 2025
