
العقلية الاحتجاجية أو ما يُعرف بـ”التفكير السالب” لا يمكن أن تبني وطناً. فعندما تدخل الدولة مرحلة الحرب الأهلية، يصبح السياسيون أمام اختبار حاسم: التمييز بين المعارضة السياسية المشروعة وبين الأفعال التي تفتح الطريق لتدمير الوطن. غياب هذا التمييز أتاح للقوى الإقليمية والدولية استغلال التباينات وتوظيفها ضد السودان.
لقد كشفت حرب الخامس عشر من أبريل حجم التدخلات الخارجية، وأظهرت تورط قوى محلية انساقت خلف عقلية النكاية، فوجدت نفسها، عن قصد أو بغير قصد، تدعم مليشيا متمردة. وواقع السودان لا يحتمل أنصاف الحلول أو التبريرات المبطنة؛ فالصمت عن التمرد ليس سوى تكتيك سياسي رخيص، وكل دم يُسفك أو مدينة تُدمّر يظل ديناً على القوى التي احتمت بتحالفات ظرفية بحثاً عن مكاسب قصيرة المدى.
منذ اندلاع الحرب، أعلنت المجموعات الثورية المستقلة رفضها لتمرد الجنجويد وتمسكها بحل المليشيا. وحتى التيار الجذري، رغم تردده خشية أن يُحسب مع الإسلاميين، عبّر في بياناته الأخيرة عن رفض واضح للتدخلات الخارجية والحلول المفروضة من الخارج. ورغم ما يحيط بمواقفه من تحفظات، فإنه أقرب إلى المصلحة الوطنية من قوى سياسية أخرى اختارت الصمت أو ادعاء الحياد، بل إن بعضها قدّم دعماً مبطناً لمليشيا ترتكب الفظائع علناً.
الحرب تفرض على الجميع أن يضعوا الوطن فوق الخصومات. فدولة القانون لا تُبنى على المناورات ولا على الصفقات المظلمة، بل على المواقف الصريحة. إن مفتاح وقف الحرب يكمن في الاعتراف بحقيقة ما يجري وتسميته باسمه: “التمرد”. ولو أن القوى السياسية سمت الأشياء بأسمائها منذ البداية، لكان الطريق مفتوحاً نحو وقف الحرب وتوحيد الصف الوطني. لكن يبقى السؤال: هل تملك هذه القوى الشجاعة؟
إن حماية المواطنين وصون السيادة الوطنية يجب أن يتقدما على كل اعتبار. ومن يعجز عن إدانة التمرد علناً لا يستحق أن يُؤتمن على وطن ولا على مستقبل شعبه.
الخرطوم 26 سبتمبر 2025