
مقدمة: عندما يصبح القلم راية وطنية
في زمنٍ تتعالى فيه الأصوات وتغيب فيه الحقائق، تظهر أقلام تنبض بالبصيرة وقلب وطني شفيف، تحترف صناعة الكلمة الصادقة وتنسج من السطور منابر للوعي والنهوض. ومن بين هذه الأقلام المضيئة يبرز اسم الصحفي محفوظ عابدين، الذي لم يكن مجرد كاتب عمود أو ناقل خبر، بل كان ولا يزال أحد رموز الإعلام السوداني الملتزم، وصوتًا شجاعًا لطالما ناصر القضايا العادلة وانحاز لصف المواطن والوطن في كل المواقف.
الحديث عن محفوظ عابدين ليس استعراضًا لسيرة مهنية فحسب، بل هو رصد لمسار نضالي في بلاط صاحبة الجلالة، وتجسيد حقيقي لمفهوم “الصحافة مسؤولية ورسالة”.
النشأة والبدايات: قلمٌ وُلد في حضن المبادئ

وُلد محفوظ عابدين في بيئة سودانية متدينة ومثقفة، تنبض بالقيم الأصيلة وتؤمن بأن الكلمة أمانة. تربّى في أسرة ترى في التعليم سلاحًا فعالًا لمواجهة تحديات الحياة. وقد انعكس ذلك مبكرًا على شخصيته، إذ اتّسم بالجدية وحب المطالعة والنقاش، وبرز ميله للكتابة والتحليل منذ المراحل الدراسية الأولى.
في الجامعة، التحق محفوظ بإحدى الكليات ذات الطابع الإنساني، حيث بدأ يكتب المقالات في الصحف الحائطية، وتميز بقدرة لافتة على التعبير الرصين والنقد المسؤول، ما فتح له بابًا واسعًا نحو عالم الصحافة المهنية.
الانطلاقة المهنية: الصحفي الذي لا يكتب للترف
بدأ محفوظ مشواره المهني في عدد من الصحف السودانية الكبرى، التي كانت آنذاك تزخر بالأسماء والاتجاهات المتنوعة. لكنه لم ينجرف مع الضجيج، بل اختار طريقه الخاص، مستندًا إلى القيم المهنية والوازع الوطني. كتب في الشؤون السياسية والمجتمعية، ولفت الأنظار بتحليلاته العميقة التي تضع الإصبع على مواضع الخلل دون مزايدة.
كان عموده اليومي أو الأسبوعي من أكثر المواد انتظارًا لدى القراء، لأنه يكتب ليُصلح لا ليُهاجم، وليبني لا ليهدم. لم يُستخدم قلمه لتصفية الحسابات، بل ظل منصته لمناصرة الحقيقة والانحياز لضمير الأمة.
محفوظ والمقال الصحفي: مدرسة في الكتابة الرصينة
تميّز محفوظ عابدين بأسلوب كتابة متفرّد، يمزج بين العمق والبساطة، وبين الصدق واللياقة. لا يتكلف في اللغة، ولا يسرف في الشعارات، بل يختار عباراته بعناية، ليقدّم محتوى فكريًا غنيًا يسهل الوصول إليه.
برع في كتابة العمود الصحفي، وأرسى لنفسه مدرسة قائمة على الرأي المسؤول. وكان من القلائل الذين استطاعوا الموازنة بين النقد البناء وروح الوطنية، فحاز احترام زملائه وقرّائه على حد سواء.
الولايات في قلب القلم: الإعلام من المركز إلى الأطراف
رغم عمله في الصحف القومية، لم يُغفل محفوظ قضايا الولايات، بل كان من أوائل الذين نادوا بضرورة تسليط الضوء على معاناة الإنسان السوداني خارج الخرطوم. كتب عن هموم التنمية والخدمات في الأقاليم، وانتقد المركزية المفرطة، ودعا إلى عدالة إعلامية تُنصف كل شبر من الوطن.
تجلّى هذا التوجّه لاحقًا بانخراطه في العمل الإعلامي المباشر داخل الولايات، وتحديدًا بولاية نهر النيل، حيث اختار أن يكون قريبًا من المواطن، يكتب عنه، ويناصر قضاياه، ويدافع عن حقه في التنمية والخدمة والكرامة.
محطة نهر النيل: الإعلامي في قلب مكتب الوالي
حين أصدر والي نهر النيل، الفريق د. محمد البدوي عبد الماجد، قرارًا بتعيين محفوظ عابدين مديرًا لإدارة الإعلام والعلاقات العامة بـمكتب الوالي، لاقى القرار ارتياحًا واسعًا في الأوساط الإعلامية والشعبية، لما عُرف عن محفوظ من نزاهة وكفاءة وصدق في الطرح.
واعتُبر هذا التعيين تتويجًا لمسيرة طويلة من العطاء الصحفي، واعترافًا رسميًا بمكانته في بلاط صاحبة الجلالة. ومنذ تسلّمه المهمة، شرع في إعادة ترتيب منظومة إعلام مكتب الوالي، ففعّل التنسيق، وأطلق مبادرات للتواصل، وأرسى خطابًا إعلاميًا يعبر عن تطلعات المواطن، ويعكس توجهات قيادة الولاية بأسلوب راقٍ وواقعي.
حرص محفوظ على الانفتاح على كافة المنصات الإعلامية من تلفزيون وإذاعة وصحافة إلكترونية، مكرسًا قناعته بأن الإعلام ليس مجرد تابع، بل شريك فاعل في الشفافية، وإبراز الجهد التنفيذي، ونقل النبض الحقيقي من القيادة إلى الشارع.
الرسالة الاجتماعية والوطنية: انحياز للمبادئ
لم يكن محفوظ يومًا بعيدًا عن القضايا الوطنية الكبرى، بل كان صوته حاضرًا في مناصرة القوات المسلحة، والدعوة إلى وحدة الصف، ومحاربة الشائعات، وتعزيز خطاب الوطنية.
كما لم يغفل عن المسؤولية الاجتماعية، وشارك في دعم المبادرات الشبابية، والأنشطة الخدمية، وكتب بحب عن دور المجتمع المحلي في صناعة التحول.
وقد أثبت في كل مواقفه أن الصحافة ليست خصمًا للسلطة ولا صوتًا للموالاة العمياء، بل ضمير حي يناصر الحق، ويحمي قيم الدولة والمجتمع.
شهادات في حقه: احترام من المهنة والدولة
> “محفوظ عابدين من الأقلام التي احترمناها حتى في الخلاف، لأنه يكتب برؤية، لا بدوافع خفية.”
ـ مسؤول تنفيذي سابق
> “عموده كان مدرسة في الصدق، وموقفه من القضايا الكبرى مشرف وموضوعي.”
ـ كاتب صحفي معروف
> “اختياره لقيادة إعلام مكتب الوالي نال إجماعًا لأنه تكريم للصحافة الوطنية الحقيقية.”
ـ ناشط من نهر النيل
المستقبل: القلم ما زال حيًا وفاعلًا
رغم ما حققه محفوظ من نجاحات، إلا أنه ما زال متمسكًا بروح البدايات، يحافظ على ذات الشغف والوضوح في الكتابة. يؤمن بأن المرحلة الحالية تتطلب من الإعلاميين كثيرًا من الصبر والانحياز للعقل، ويحرص على تقديم النموذج الصحفي النظيف وسط عالم متغيّر.
ولعل أبرز ما يميزه اليوم هو استمراره في العمل بنفس الروح: خدمة الوطن، وخدمة الحقيقة، واحترام عقل القارئ.
الخاتمة: محفوظ.. اسمٌ على مسمّى
في الختام، لا يمكن إلا أن نرفع القبعة لهذا الصحفي الوطني الذي ظل وفيًا لمهنته، ثابتًا في مبادئه، رصينًا في كلماته، وملتزمًا بقضايا بلده في كل المراحل.
إن ولاية نهر النيل، وهي تضعه في موقع المسؤولية داخل مكتب الوالي، إنما تكرّم به مهنة بأكملها، وتبعث برسالة وفاء لأصحاب المواقف النبيلة.
فهنيئًا لنا بهذا النموذج المضيء، ولتكن مسيرته نبراسًا لكل من آمن أن الكلمة قد تغيّر واقعًا، وتبني وطنًا.



