
تقرير رئيس التحرير: هشام أحمد المصطفى (أبو هيام )
مدينة دنقلا، عاصمة الولاية الشمالية، لم تكن صباح يوم الزيارة كبقية الأيام. فقد لبست ثوباً مختلفاً، واستعدت لاستقبال رجل الدولة الأول، القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، في زيارة حملت مضامين عميقة على كافة الأصعدة، ولامست وجدان أهل المنطقة قبل أن تُسجل في دفاتر السياسة.
دنقلا تفتح ذراعيها للقائد: لحظة وطنية بامتياز
استقبلت دنقلا القائد البرهان بحفاوة منقطعة النظير. تدافعت الجماهير منذ الصباح الباكر لاستقباله في مشهد يعكس صدق الانتماء، وتاريخ المدينة العريق في مناصرة الوطن ورجاله. الأهازيج الشعبية، والتكبيرات، والزغاريد، رفرفت في الهواء، بينما علت الأصوات: “الجيش جيشنا.. والبرهان قائدنا!”.
كان المشهد أقرب إلى لوحة وطنية خالصة؛ اصطفاف للقيادات المجتمعية، وتواجد واسع للنساء والأطفال والشيوخ، في تعبير عفوي صادق عن تقدير المواطنين لزيارة تمثل في جوهرها عهداً متجدداً بين القائد وشعبه.
البرهان في الأسواق: حضور القائد وسط شعبه
واحدة من أهم لحظات الزيارة كانت تجوال الفريق البرهان داخل أسواق مدينة دنقلا الشعبية، حيث سار وسط المواطنين ببساطة وتواضع، وتبادل الحديث مع التجار والمواطنين والبائعين. لم يكن برفقته حرس مشدد أو حواجز تفصله عن الناس، بل كانت خطواته ثابتة وقريبة من القلوب.

استقبلته الأسواق بهتافات الولاء والدعاء، بل إن بعض المواطنين بادروا بتقديم التمر والماء ترحيبًا، فيما انخرط آخرون في محادثات مباشرة معه، عرضوا فيها مشاكلهم، وشكواهم، وآمالهم. لم يكن يتحدث كقائد عسكري فقط، بل كأبٍ وابنٍ لهذه الأرض، منصتاً ومتفهمًا وواعدًا بالحلول.
هذا المشهد أكد للناس أن رئيس مجلس السيادة ليس حبيس القصور، بل قائد يعرف طرقات السوق وأزقة الأحياء، وأنه يمشي في تراب دنقلا كما يمشي في وجدان السودانيين كافة.
دلالات سياسية: رسالة حازمة بأن الشمال في قلب الدولة
في ظل ما تمر به البلاد من اضطرابات أمنية وسياسية، جاءت هذه الزيارة بمثابة تأكيد قاطع أن الولاية الشمالية – بحدودها، وشعبها، وثرواتها – في قلب معادلة الدولة، وأن الدولة لا تنسى مناطقها الآمنة والمستقرة، بل تعوّل عليها كحاضنات وطنية قادرة على رفد البلاد بالإنتاج والدعم الشعبي والمؤسسي.
البرهان بخطواته في دنقلا، أعاد التأكيد على أن السودان وطن واحد لا يُجزأ، وأن القيادة العسكرية والمدنية تدرك أهمية تفعيل الحضور المباشر في الميدان، خاصة في مناطق الإنتاج والمنافذ الحدودية.

إشادة بالتماسك المجتمعي: دنقلا نموذج للانضباط الوطني
في خطاباته واجتماعاته المغلقة والمفتوحة، ثمّن الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان حالة التماسك والانضباط التي تشهدها الولاية الشمالية، مؤكدًا أن دنقلا تقدم درساً عملياً في الوطنية، وتماسك النسيج الاجتماعي، ورفض التمرد والانفلات الأمني.
وأشار إلى أن هذا التماسك هو السور الحقيقي الذي يحمي البلاد، وأن جهود المواطنين في دعم القوات المسلحة، والوقوف خلف مؤسسات الدولة، تمثل النواة الصلبة التي تقوم عليها دولة السودان المستقرة.
5. وقوف مباشر على احتياجات المواطنين
لم تكن الزيارة احتفالية فقط، بل حملت جانباً تنفيذياً مهماً، حيث عقد البرهان عدة لقاءات مع حكومة الولاية، والإدارات الخدمية، والقيادات المجتمعية، لمراجعة الملفات الحيوية مثل المياه، والكهرباء، والطرق، والتعليم، والصحة، والزراعة.
وقد وجّه سيادته بضرورة تسريع تنفيذ المشروعات الخدمية، والتركيز على دعم القطاعات الحيوية، خاصة في ظل صمود الولاية رغم ضعف الإمكانات، وتأثر الميزانيات بالحرب الدائرة. وأكد أن الدولة لن تدير ظهرها للولايات المنتجة والمستقرة.

دعم القوات المسلحة: زيارة للجبهة من الداخل
الفريق البرهان، وهو يزور دنقلا، لم ينسَ دوره الأصيل كقائد أعلى للجيش، فكان من أوائل محاور الزيارة لقاءات مباشرة مع منسوبي القوات المسلحة وقوات الدعم المدني والمستنفَرين، حيث حيّا صمودهم، وشكر تضحياتهم، ووعد بدعم متكامل لرفع جاهزيتهم.
وقد شملت زيارته التفقدية الثكنات والمخازن والمواقع الحساسة، مما يدل على اهتمامه الشخصي بكافة التفاصيل العسكرية في الولاية، وأهمية دنقلا كمنطقة ارتكاز دفاعي واستراتيجي.
إشارات اقتصادية: دعم الزراعة والنقل والبنية التحتية
البرهان تناول في زيارته الأبعاد الاقتصادية للولاية، خاصة وأن الشمالية تُعد من أعمدة الإنتاج الزراعي والتجاري في البلاد. وقد وجه سيادته بضرورة إزالة العقبات أمام صغار المزارعين، وتوفير الوقود الزراعي، وتقوية البنية التحتية للأسواق والصادرات، مما سيسهم في تحسين الوضع المعيشي العام.
وتطرّق أيضاً لمشكلات النقل النهري والبري، ووعد بالنظر في صيانة الطرق الحيوية، وربط الولاية بشبكات توزيع حديثة، بما يدعم حركة الاقتصاد القومي.
رسالة إلى الخارج: لا تنازل عن السيادة ولا مكان للوصاية
من دنقلا، بعث البرهان برسائل واضحة للمجتمع الدولي والإقليمي مفادها أن السودان لن يكون ساحة لتصفية الحسابات، ولن يسمح لأي جهة خارجية بالتلاعب بسيادته، أو دعم التمرد المسلح تحت غطاء الإنسانية أو السياسة.
وأكد أن القوات المسلحة ستظل في خندق الدفاع عن الأرض والعِرض، وأن أي محاولة لتقويض الأمن أو العبث بمقدرات الشعب ستُواجه بالحسم والقانون.
مشاهد إنسانية: البرهان بين المرضى والأطفال
في لمسة إنسانية لافتة، قام البرهان بزيارة إلى بعض المراكز الصحية والمستشفيات، وتحدث مع الأطباء والكوادر الطبية، واستمع لاحتياجاتهم، كما زار المرضى، ووزّع الهدايا على الأطفال، وشارك في تقديم العون المباشر لبعض الحالات الإنسانية، في موقف جسّد الوجه الإنساني للقائد.
ختامًا: زيارة تعيد الثقة وتفتح آفاق الأمل

زيارة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى دنقلا أعادت الثقة للناس في القيادة، وأكدت أن الدولة حاضرة ومتابعة وتسمع نبض الشارع. لم تكن الزيارة مجرد مرور أو استعراض، بل كانت خطة عمل، وخطاب قلب، ومشهد وحدة.
إن استقبال المواطنين الحافل، وتجواله وسط الأسواق، وجلوسه مع المواطنين، وتواصله المباشر مع الكبار والصغار، تُعبر عن قائد لا يعرف الغرور، بل يحمل السودان في قلبه، ويتنقل من مدينة إلى أخرى بخطى واثقة نحو السلام، والبناء، والنهوض الوطني.



