
في زمن إنحسر فيه ضوء الأمل وتاهت القلوب بين صدى الشكوى وغياب المعين، ينهض رجل يقود الجزيرة، يطوي ليله سعيًا ويشعل نجومه تفقدًا، لا حواجز تُعيقه، ولا بروتوكولات تُكمم ضميره، الطاهر إبراهيم الخير، والي ولاية الجزيرة، لا يكتفي بالتصريحات ولا يختبئ خلف المكاتب، بل يمضي حيث لا يمضي غيره، يُحادث الناس على الأرصفة، ويُلقي ببصره على وجعهم، يسمع الصوت من الحناجر لا من التقارير.
من حي دردق غرب ود مدني ومن الكاملين ومن السريحة ومن جنوب الحزيرة وشرقها ، تتجلّى ملامح حاكم لا يعرف النوم ما دام في الحي أو في المنطقة عطش، أو في الطريق ازدحام، أو في المركز الصحي نقص، لم يقل إن الأمور بخير، بل إختار أن يراها بنفسه، يُقابل الناس ليلاً لا لأجل الصورة، بل لأن الحقيقة لا تُرى إلا في عتمة الحاجة، قراراته ليست ارتجالًا، بل صدى دراسة وتمحيص، وكل خطوة يخطوها تُحدث صدى وفرقاً، لا شعاراً
في زمن الفوضى، وبعد أن تحررت الولاية من براثن الأوباش الذين جعلوها مرتعًا للفساد والتسيب، يقف الطاهر كالوتد، يُعيد ما تكسّر، ويجمع ما تفرق، ويزرع في أرض الجزيرة ما يليق بأهلها. من مبادرة لتشجير حي، إلى نداء لاستكمال مركز صحي، إلى رغبة في تنظيم المرور، يتبنى كل فكرة تخدم الإنسان، لأن الإنسان عنده ليس رقماً بل غاية
ومع ذلك، لا يسلم من القادحين، الذين لم يروا ولم يسمعوا إلا من خلال وسائط ملوثة، يكتبون بمداد الظن ويطعنون في النوايا، نقول لهؤلاء: ليس من رأى كمن سمع، من شاء أن يعرف والي الجزيرة، فليخرج من شرنقة الكسل ويتبع خُطاه في ليل المدينة، هناك فقط يعرف أن في الجزيرة رجلًا يعمل بينما ينام الآخرون.
السياسة في الجزيرة ليست ملعبًا للمزايدات، بل ساحة يُمتحن فيها الولاء بالعرق لا بالهتاف. فتعقلوا، وانظروا بمن يخدمكم لا بمن يصرخ أكثر. الطاهر لا ينتظر مديحًا، لكنه يستحق أن يُقال فيه ما يليق برجال الدولة في زمن الندرة. هذه الجزيرة تستحق قائدًا يرى في الظلام، وقد وجدته.