
يثير منصب مستشار رئيس الوزراء مصلح نصار كثيراً من علامات الاستفهام، ليس بسبب أدائه فحسب، بل لطبيعة الدور الذي يشغله، والذي بات أقرب إلى منصب بلا صلاحيات ولا سلطات، حتى انطبقت عليه مقولة «المستشار الذي لا يُستشار».
فمنذ توليه المنصب، لم يُعرف للمستشار مصلح نصار أي أثر واضح في صناعة القرار، ولا مبادرة سياسية أو إدارية يمكن أن تُحسب له، الأمر الذي فتح الباب واسعاً للتساؤل حول جدوى استمراره في موقع يفترض أن يكون مؤثراً وفاعلاً.
اعتاد المستشار، في المجالس العامة واللقاءات الخاصة، على سرد قائمة طويلة من الشكاوى، تبدأ بعدم وجود مكتب رسمي، ولا سيارة، ولا تسيير، ولا وقود، ولا حتى مخصصات إدارية تعينه على أداء مهامه.
ويؤكد مصلح نصار، بحسب ما يتردد، أنه يتحمل تكاليف إيجار منزله، ويستضيف ضيوفه على نفقته الخاصة، ولا يتقاضى مليماً واحداً من خزينة الدولة، في صورة تثير التعاطف بقدر ما تثير الاستغراب.
غير أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هنا: إذا كانت هذه هي طبيعة المعاناة اليومية، فلماذا الإصرار على التمسك بالمنصب؟ وما الذي يمنع المستشار من اتخاذ موقف أخلاقي واضح بالاستقالة حفظاً لماء الوجه؟.
فالمنصب العام ليس وجاهة اجتماعية، ولا لقباً شرفياً، بل مسؤولية تستلزم أدوات وصلاحيات وقدرة على الفعل، وإذا انتفت هذه العناصر، انتفت معها جدوى البقاء.
الأخطر من ذلك أن استمرار هذه الحالة يبعث برسائل سالبة للرأي العام، مفادها أن المناصب توزع بلا رؤية، وأن مواقع القرار قد تتحول إلى ديكور سياسي لا أكثر.
كما يبرز تساؤل مشروع حول ما إذا كان المستشار مصلح نصار قد اجتاز فعلياً إجراءات الفحص الأمني اللازمة قبل تقلده المنصب، وهي إجراءات يفترض أن تكون شرطاً أساسياً لأي موقع حساس في الدولة.
ويُطرح سؤال آخر لا يقل أهمية: هل جاءت علاقة سابقة أو معرفة خاصة بينه وبين رئيس الوزراء، أم أن تعيينه تم بفرض من جهة أخرى، ربما من رئاسة مجلس السيادة، في إطار توازنات سياسية معقدة؟
وفي ظل غياب الإجابات الرسمية، تتضخم الشكوك، وتتسع دائرة التأويلات، وهو أمر تتحمل مسؤوليته الجهات التي اتخذت قرار التعيين ولم تشرح للرأي العام أسبابه ودوافعه.
ولا يمكن تجاوز سؤال المؤهلات الأكاديمية والعلمية، إذ لم يُعرف على نطاق واسع ما الذي يملكه مصلح نصار من خبرات أو كفاءات تؤهله لشغل موقع استشاري رفيع في مرحلة دقيقة تمر بها البلاد.
فهل تم الاختيار على أساس الكفاءة والمعرفة، أم وفق منطق المصالح الضيقة ونظام الشلليات الذي طالما أرهق مؤسسات الدولة وأفقدها فاعليتها؟.
إن استمرار مثل هذه التعيينات يكرس صورة قاتمة عن إدارة الدولة، ويعمق فقدان الثقة بين المواطن والسلطة، خاصة في وقت تحتاج فيه البلاد إلى عقول قادرة على تقديم حلول حقيقية لا شكاوى متكررة.
إن النقد هنا لا يستهدف الأشخاص بقدر ما يسلط الضوء على خلل واضح في معايير الاختيار والتكليف، وهو خلل إن لم يُعالج سيظل ينخر في جسد الدولة ويضعف قدرتها على النهوض.
وفي المحصلة، يبقى الخيار واضحاً أمام المستشار مصلح نصار: إما أن يُمنح صلاحيات حقيقية تمكنه من أداء دوره، أو أن يختار الاستقالة بشجاعة، فالمناصب العامة لا تُقاس بعدد الشكاوى، بل بحجم الأثر والإنجاز.



