
آن الأوان لجهاز المخابرات العامة أن يخرج إلى واجهة المشهد، لا بحثًا عن الأضواء، بل أداءً لواجب وطني تفرضه مرحلة ما بعد الحرب، مرحلة اتسمت بانفلات أمني، واختراقات داخلية، وفسادٍ يزكم الأنوف داخل مؤسسات الدولة، وواقعٍ مختل اختلطت فيه الأوراق حتى أصبح المتعاون مع المليشيا بالأمس، اليوم وكأن شيئًا لم يكن.
لقد أثبت جهاز المخابرات العامة، خلال أخطر مراحل تهديد الدولة السودانية، أنه الرهان الكاسب في معركة تثبيت أركان الدولة.
قدّم المعلومة في وقتها، وقدّم الرجال في ميدان الواجب، رغم ما تعرّض له من تفكيكٍ ممنهج إبان حكومة حمدوك، التي حاولت النيل من هذا الجهاز باعتباره حجر عثرة أمام أي مشروع يستهدف ابتلاع الدولة من الداخل.
لكن الجهاز، وكعادته، أعاد ترتيب صفوفه سريعًا، وظل “عين الدولة التي ترى” في أحلك ظروف الحرب، يعمل بمهنية واحترافية ووطنية عالية، كاشفًا زيف السرديات التي صيغت ضده، ومثبتًا أن هذه المؤسسة لم تكن يومًا عبئًا على الوطن، بل صمّام أمانه.
لقد لعب جهاز المخابرات دورًا محوريًا في حماية ممتلكات الدولة عبر عمليات خاصة، وفي الحفاظ على مؤسساتها من الانهيار الكامل، حتى عادت دورة الحياة تدريجيًا، واستعاد الوطن جزءًا من توازنه وسط العاصفة.
لكن هنا يأتي الشق الأهم َ، وفي ظل واقع ما بعد الحرب، فإن حماية الوطن لا تقتصر على حمل السلاح في مواجهة العدو، بل تمتد لتشمل حماية ممتلكات الشعب، وضبط إيقاع الحياة العامة، ومحاربة الفساد، وكشف المتعاونين، ومنع إعادة تدويرهم داخل مؤسسات الدولة.
من غير المقبول أن تبقى الدولة مكتوفة الأيدي أمام فوضى عارمة، وفسادٍ مستشرٍ، وتغوّلٍ على المال العام، بينما تُقيّد يد جهاز يمتلك الخبرة والقدرة والأدوات اللازمة للتصدي لهذه الظواهر.
إن المحافظة على ممتلكات الشعب لا تقل أهمية عن الدفاع عن حدود الوطن، بل هي جزء أصيل من معركة الكرامة والسيادة.
ومن هذا المنطلق، يصبح من الواجب الوطني أن تُمنح لجهاز المخابرات العامة الصلاحيات الكافية التي تمكّنه من أداء دوره الرقابي والمنعي، حمايةً للمال العام، وردعًا للفاسدين، وسدًا للثغرات التي تنفذ منها المليشيا وأعوانها في الداخل .
إن ترك جهاز المخابرات العامة خارج هذا الدور الحاسم تجاه مؤسسات الدولة هو إهدار لأحد أهم أدوات الدولة في مرحلة التعافي، بينما تمكينه هو خطوة ضرورية لاستعادة هيبة الدولة، وبناء الثقة، وترسيخ الاستقرار.
فالدولة التي لا تحمي ممتلكات شعبها، لا يمكن أن تنتصر كامل الإنتصار ومن يحمي هذه الدولة و بدراية وخبرة متراكمة هو جهاز المخابرات العامة .



