
ضعف الرواتب لم يعد مجرد رقمٍ في كشف المرتبات، بل صار واقعاً يومياً يثقل كاهل الموظف والعامل السوداني، ويمس كرامته واستقراره وحياته الأسرية. فالموظف اليوم يذهب إلى عمله محمّلاً بالمسؤوليات، ويعود وهو يفكّر في كيف يوفّر أساسيات لا تقبل التأجيل: غذاء، علاج، تعليم، ومواصلات، بينما راتبه يقف عاجزاً أمام هذا الغلاء المتصاعد.
شريحة العمال والموظفين هي العمود الفقري لأي دولة؛ هم من يديرون المؤسسات، ويقدّمون الخدمات، ويحافظون على استمرارية الحياة العامة. ومع ذلك، فإن ضعف الأجور يدفع كثيرين إلى الإحباط، ويقتل روح الإنتاج، بل ويجبر بعض الكفاءات على الهجرة أو ترك المهن الأساسية بحثاً عن مصدر دخل يحفظ لهم الحد الأدنى من العيش الكريم.
الحديث عن تحسين الاقتصاد أو إصلاح الدولة لا يكتمل دون معالجة حقيقية لأوضاع العاملين. فالراتب العادل ليس ترفاً، بل حقّ، وهو استثمار مباشر في الاستقرار الاجتماعي والإنتاجية والجودة. عندما يشعر الموظف بالأمان المعيشي، ينعكس ذلك التزاماً وإبداعاً وانتماءً لمكان عمله ووطنه.
الاهتمام بشريحة العمال يتطلب سياسات واضحة، تبدأ بمراجعة هيكل الأجور بما يتناسب مع تكلفة المعيشة، وضمان حقوقهم في التأمين الصحي، وتحسين بيئة العمل، وحماية القوة الشرائية للراتب. فكرامة العامل من كرامة الوطن، وأي نهضة حقيقية لا بد أن تُبنى على أساس العدالة والإنصاف لمن يحملون عبء العمل كل يوم بصمت.
إنصاف الموظف والعامل ليس مجرد مطلب فئوي، بل ضرورة وطنية، لأن الأوطان لا تُبنى بالشعارات وحدها، وإنما بسواعدٍ مُقدَّرة، وجهدٍ محترم، وراتبٍ يكفي صاحبه ليعيش بكرامة.



