الرأي والتحليل

محمد طلب يكتب: الناس في بلدي يصنعون الحب (1)

العنوان أعلاه مقتبسا من أغنية لفرقة عقد الجلاد التي جعلت من الغناء الجماعي في ثمانينيات القرن الماضي نمطاً راقياً يحمل قضايا و هموم وتراث البلد و سرعان ما ظهرت فرق بذات النمط لكنها لم تصمد أمام التيارات العاتية ربما لطموحات بعض أفرادها أو غيره من الأسباب، إلا أن عقد الجلاد صمدت لعقود و ما زالت صامدة وتربعت على عرش الغناء الجماعي الذي هو أصلاً جزء من ثقافة الغناء عند أهل السودان (و دا ما موضوعنا).
والموضوع يرتبط بشكل أساسي بعنوان المقال الذي أعتقد أنه تم حذف (حرف) واحد فقط منه ليبين بشكل واضح حقيقة أوضاعنا الراهنة و ذلك (الحرف) هو بداية مفردة (رعب) ونهاية مفردة (دمار) و الآن حقاً صرنا بين (رعب و دمار) فعند إضافة ذلك (الحرف المفقود) يصبح العنوان :-
(الناس في بلدي يصنعون الحرب)
وحقيقة الأمر أن أهل بلادي وشعوبها (يجيدون صناعة الحرب) و التاريخ يشهد على أنها بلد ظلت تشهد حروباً متواصلة من قبل الاستقلال ولم تتوقف إلى يومنا هذا وكانت لها نتائجا كارثية معروفة أوصلتنا للحرب والرعب والدمار الذي تشهده بلادنا الآن (و دا برضو ما موضوعنا.
عقد الجلاد فرقة غنائية موسيقية قدمت أعمالا راقية المستوى ولقيت قبولاً كبيراً وتصنيفا ممتازا من قبل المختصين في المجال مع قبول جماهيري ممتد لعقود و (منقطع النظير) كما يقول صديقنا اللطيف الظريف (خالد ابارو) .
إلا أن هناك بعض الهنات نود الحديث عنها والتي ربما تغضب البعض وتثير بعض آخر وربما يوافقني المتبقي من (الأبعاض) أن صح التعبير .
الفرقة تكونت من مجموعة من الشباب الطموح المسلح بالعلم والمعرفة واشراف علماء ومتخصصون في المجال، كان من المفترض أن تنتبه بشكل واعٍ ومدرك لما تقدمه، خصوصاً في الأعمال المقتبسة من نصوص (كاملة) تحمل قضية معينة كاملة الجوانب في النص المقتبس و من ذلك على سبيل المثال عندما تغنوا اقتباساً من أغنية الجاغريو التي يقول النص الأصلي فيها :-
نحن أولاد (أبو فركة) نقعد نقوم على كيفنا
و هو نص ارتبط بحادثة معينة معروفة لأهل المنطقة التي شهدت الحادث أوردها الدكتور سيف الدولة مصطفى بركات في كتابه عن الإدارة الأهلية وعلى ما أظن مع نص آخر هو (الظايط ما بنقدر) أن لم تخني الذاكرة
مع ذكره بإختصار لمناسبة الأغنية وصراع سياسي في ذلك الوقت، (يعني شكلة) كما يقولون، لكن عقد الجلاد قامت بعملية إبدال كان له الأثر في (زيادة الطين بلل) .
فالفعل المشين القبيح الذي يحمل دلالات الفوضى وعدم وجود النظام وهو (نقعد نقوم على كيفنا) الذي لا ينتمي إلى عصر عقد الجلاد والألفية الثانية بصلة بعد أن كان محصوراً على (أولاد فرد) واحد جعلته عقد الجلاد بلا وعي منها (أولاد بلد) كاملة وتغنوا بلحن جميل :-
نحن أولاد بلد نقعد نقوم على كيفنا
في لقى في عدم دائماً مخرف صيفنا
و هو تجسيد واضح للفوضى وعدم الانضباط (لييه تقعد تقوم على كيفك) ألا يوجد نظام .
من غير المتوقع عندي ان تتغنى بهذا النص عقد الجلاد خصوصاً عندما نعلم أن (القومة والقعدة دي) ليست لعب ولا خدمة ضيوف فقط انما الحكاية بها سيوف وحرابة في (الفاضي ساااي).
نحن الفوق رقاب الرجال مجرب سيفنا
ويذهب الشاعر إلى أبعد من ذلك ومن (مشكلة بسيطة) يعمل على (تدويلها) كالآتي:-
نحن أهل كِتال كل الدول عارفانا
و طبعاً بقية الأغنية للمرحوم الجاغريو والتي لم تغنيها عقد الجلاد تفوح منها رائحة الدم والقيح نتيجة الفعل القبيح (نقعد نقوم علي كيفنا) ومن ذلك :-
ما بنهاب من الموت ولا الجبخانه
عدونا نضربه لا من ينقلب عُطرانه
والضاق إيدنا كان دخل القبر بطرانه
لدي رأي ربما يكون متطرفاً وهو أن الغناء السوداني ساهم بشكل ما في خلق وجدان مضطرب لأهل السودان لكن أن يصل هذا الاضطراب الوجداني لطبقة راقية من المغنين مثل عقد الجلاد لم يكن متوقعاً.
فالنصوص الغنائية مثل النص أعلاه تُحاكم بظروفها وزمانها لكن وصوله لعقد الجلاد و(الإبدال) إلى (نحن أولاد بلد) فهو عيب كبير نأخذه على عقد الجلاد.
و إذا قلنا أن ذلك خطأ أتى سهواً أو لعدم التدقيق فإن ذات الخطأ تكرر و بصورة أكبر في النص عنوان هذا المقال وهو نص أصلاً بعنوان (سأقتلك).
للشاعر المصري صلاح عبد الصبور و هذا سوف يكون حديث المقال القادم إن شاء الله، وختاماً نترككم مع ختام أغنية الجاغريو
نحن الما بندي عطانا نتفارشبو
يوم الموت نريدو و نتباشربو
نحن هنية الولد البنتعاشربو

هشام احمد المصطفي(ابوهيام ) رئيس التحرير

من أبرز المنصات الإلكترونية المخصصة لنقل الأخبار وتقديم المحتوى الإعلامي المتنوع والشامل. تهدف هذه المنصة إلى توفير الأخبار الدقيقة والموثوقة للقراء في جميع أنحاء العالم العربي من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة والأساليب المبتكرة في عرض الأخبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى