تحركنا من دنقلا للمشاركة في تكريم القامة النوبية محمد خيري شنان، ورغم صعوبة الطريق، كان إصرارنا على الوصول إلى قرية مفركة الوادعة، التي تتوسط الذهب والنيل، أما الزملاء فقد سابقهم الشوق للمشاركة في التكريم فهان تعب الطريق.
قطعنا مسيرنا الطويل بين جبال الذهب حتى بلغنا غايتنا مع مغيب الشمس، لنجد طقسًا بارداً يقترب من درجة الصفر، لكن حرارة استقبال أهل مفركة لنا أدفأتنا، وشوقنا لسماع روائع شنان أنسانا برودة الأجواء الشتوية. أما هدفنا السامي بالمشاركة في التكريم، فكان الشعور الأبرز للجميع.
ليلة التكريم
انطلق الحفل عند التاسعة مساءً بدخول الملك المتوج شنان، على أنغام إحدى الأغاني النوبية الخالدة “بلال يا بلال”. حتى الساعات الأولى من الصباح، كنا نستمتع بجمال الأداء والعزف، الموّثق لألحان الحياة النوبية التي جسّدت حركة الحياة اليومية لإنسان النوبة، وحبّه العميق لأرضه، ومحبوبته، والمنطقة النوبية وإرثها الخالد.
إرثٌ يمتد
شكراً للجنة العليا لتكريم شنان، التي أعلنت عن قيام ليالي شنان الثقافية في كل أرجاء عمودية كوشة بشكل دوري. وما أثلج صدورنا أكثر هو وضع حجر الأساس لمركز شنان للآداب والفنون بالقرب من منزله، على أمل أن يقوم بدوره قريبًا في الحفاظ على إرث الأجداد، وجمع التراث المادي والشفهي للنوبة بصورة عامة.
إنها النوبة، بجمالها وسحرها الخلاب. أطال الله عمر المكرَّم، ليظل مدّه الإبداعي متدفقًا، ممزوجاً بصلابة الجبال، وصوت المياه في شلالاتنا، وخضرة أرضنا، ونقاء قلوب الإنسان النوبي الأصيل.
تحياتي من مفركة التاريخ
مصطفى محمد إدريس
